“تهامة بين النور والظلام: ازدهار في السعودية وتهميش في اليمن”...
تشكل منطقة تهامة امتداداً جغرافياً وثقافياً مهماً على طول ساحل البحر الأحمر، وتتميز بموقع استراتيجي جعلها محط اهتمام في السعودية، بينما عانت من الإهمال والتهميش في اليمن. وبينما تعكس تهامة السعودية نموذجاً للتنمية والازدهار، تمثل تهامة اليمن قصة من المعاناة والحرمان. في المملكة العربية السعودية..
وفي ظل العدالة والمساواة تحت حكم آل سعود تنال منطقة تهامة اهتماماً كبيراً من الحكومة التي تسعى لتحقيق رؤية 2030، حيث تحظى المنطقة بمشاريع تنموية تشمل جميع القطاعات. ومن أبرز مظاهر هذا الاهتمام البنية التحتية المتطورة، حيث شهدت تهامة السعودية تطوراً كبيراً في شبكات الطرق التي تربط المنطقة بباقي مناطق المملكة، مما يسهل حركة التجارة والسكان. كما تم إنشاء موانئ بحرية حديثة تعزز دور المنطقة كمركز لوجستي. وكذلك الرعاية الصحية والتعليم، حيث تم بناء مستشفيات ومراكز صحية تقدم خدمات طبية متقدمة، إلى جانب إنشاء مدارس وجامعات لتلبية احتياجات السكان التعليمية. هذه الخدمات ساهمت في رفع مستوى المعيشة وتحقيق رفاهية للسكان...
وكذلك أيضاً تم إنشاء مدن صناعية ومشاريع اقتصادية تعزز من مكانة المنطقة كرافد للاقتصاد الوطني. توفر هذه المشاريع فرص عمل لسكان المنطقة وتحسن من مستويات دخلهم. كما تسعى السعودية لتطوير السياحة في تهامة، خاصة مع غناها بالمناظر الطبيعية والتراث الثقافي. تم إطلاق مشاريع تهدف إلى إبراز المنطقة كوجهة سياحية جاذبة. كل هذه الإنجازات تعكس التزام الدولة بتطوير المنطقة وجعلها نموذجاً للتنمية المستدامة...
على الجانب الآخر، تعاني منطقة تهامة في اليمن من تهميش متعمد عبر الحكومات اليمنية المتعاقبة، تفاقمت حدته مع سيطرة مليشيا الحوثي التي زادت من معاناة السكان. ورغم أن تهامة اليمن تعتبر واحدة من أغنى مناطق البلاد بثرواتها الزراعية والبحرية، إلا أن واقعها الحالي يعكس تناقضاً مأساوياً. يعيش سكان تهامة في ظروف معيشية قاسية، حيث ينتشر الفقر بشكل واسع، ويعاني السكان من الجوع وسوء التغذية..
كما أن غياب الخدمات الصحية أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة مثل الكوليرا وحمى الضنك. وكذلك تعاني المنطقة من انعدام شبكات الطرق والكهرباء والمياه، ما يجعل الحياة اليومية للسكان بالغة الصعوبة. حتى المدن الرئيسية في تهامة مثل الحديدة، تعاني من نقص الخدمات الأساسية. النظام التعليمي في تهامة شبه منهار، حيث تفتقر المنطقة إلى المدارس والجامعات. ويعاني الطلاب من صعوبة الوصول إلى فرص التعليم، مما ساهم في رفع معدلات الأمية بين السكان. عانت تهامة من سياسات التهميش المتعمدة عبر الحكومات المتعاقبة. ولم تُمنح المنطقة حقها في التمثيل العادل أو الاستفادة من ثرواتها الزراعية التي تعد سلة غذاء اليمن..
فمنذ انقلاب الحوثيين، تفاقمت الأوضاع في تهامة بشكل كبير. تعرض السكان لممارسات قمعية، وتم تجنيد الشباب قسرياً في صفوف المليشيا، بينما ظلت المنطقة تعاني من انعدام أي دعم تنموي. على الرغم من أن تهامة في السعودية واليمن تشتركان في الجغرافيا والثقافة، فإن الفجوة بينهما أصبحت شاسعة بفعل السياسات والظروف..
ففي الوقت الذي تستثمر فيه المملكة موارد ضخمة لتحويل تهامة إلى منطقة مزدهرة اقتصاديًا وسياحيًا، تفتقر تهامة اليمن إلى أدنى مقومات الحياة بسبب الصراعات السياسية والإهمال والتهميش. إحدى أبرز أوجه التشابه تكمن في الأهمية الاستراتيجية لكلتا المنطقتين، حيث يُعتبر موقع تهامة على البحر الأحمر عاملًا محوريًا في تحديد مسار التجارة البحرية. لكن بينما تستفيد السعودية من هذا الموقع لتطوير البنية التحتية البحرية، تعاني اليمن من فقدان السيطرة على موانئها بسبب الحرب...
ما يزيد من حدة المأساة هو أن تهامة، سواء في اليمن أو السعودية، تمتلك مقومات طبيعية وبشرية تجعلها منطقة واعدة للتنمية. لكن في حين استغلت السعودية هذه المقومات ووفرت لسكانها حياة كريمة، ظلت تهامة اليمن عالقة في حلقة مفرغة من التهميش والاستغلال. ولتحقيق توازن بين جانبي تهامة، يجب العمل على مستويين: 1.تعزيز التنمية في تهامة اليمن: يتطلب ذلك جهودًا دولية وإقليمية لإعادة بناء البنية التحتية، وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل فعال، والعمل على دعم الاستقرار السياسي من أجل إطلاق مشاريع تنموية تعيد الحياة إلى المنطقة.
2.التعاون السعودي اليمني: يمكن أن تلعب المملكة العربية السعودية دورًا محوريًا في دعم تنمية تهامة اليمن من خلال استثمارات مشتركة ومبادرات تنموية تعزز الاستقرار، خاصة أن ازدهار تهامة السعودية يمكن أن يمتد تأثيره الإيجابي إلى جارتها اليمنية. تحتاج تهامة اليمن إلى تدخل إنساني عاجل لمعالجة معاناة سكانها. كما تتطلب رؤية سياسية تنموية تعيد للمنطقة حقها في الحياة الكريمة...
فالمفارقة بين جانبي تهامة تُظهر كيف يمكن للإرادة السياسية أن تصنع الفرق بين الازدهار والمعاناة. بينما تسير تهامة السعودية بخطى ثابتة نحو مستقبل مشرق، تبقى تهامة اليمن نموذجاً حزيناً لما يمكن أن ينتج عن الإهمال والتهميش. الأمل يبقى أن تُمنح تهامة اليمن فرصتها لتجاوز الظلم التاريخي وتحقيق تطلعات سكانها في حياة أفضل...
ختاماً تمثل تهامة اليوم صورة مصغرة لتناقضات المنطقة بأكملها. ففي حين تتألق تهامة السعودية تحت أنوار التنمية، تغرق تهامة اليمن في ظلام الصراعات. ولكن يبقى الأمل موجودًا إذا ما توفرت الإرادة السياسية، والتعاون الإقليمي، والدعم الدولي لتحويل هذه المنطقة من ساحة للصراع إلى نموذج للتنمية المشتركة...