“التهجير القسري والتدمير الممنهج في تهامة : جرائم الحوثيين وصمت المجتمع الدولي”
تواصل مليشيا الحوثي في اليمن تنفيذ انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، وتحديداً عبر التهجير القسري تحت تهديد السلاح لآلاف المدنيين في مناطق الحديدة وتهامة عموماً، مما يعكس مستوى التدهور الحاد الذي وصلت إليه الأوضاع الإنسانية في هذه المناطق. تقوم مليشيا الحوثي بعمليات تهجير قسري للمدنيين من مناطق الحديدة وتهامة عموماً، مستخدمةً التهديد بالسلاح كوسيلة للسيطرة على هذه المناطق الاستراتيجية. التهجير القسري لا يعني فقط أن هؤلاء المدنيين يفقدون منازلهم، بل يفقدون أيضاً سبل عيشهم واستقرارهم...
وبالنسبة للكثيرين، تهجيرهم يعني انقطاعاً كاملاً عن مجتمعهم وتاريخهم، وانتقالهم إلى مناطق قد تفتقر لأبسط مقومات الحياة. تتبع مليشيا الحوثي سياسة تهدف إلى تحويل الأحياء السكنية والمرافق العامة، مثل الموانئ والمستشفيات، إلى مواقع عسكرية. على سبيل المثال، تم تحويل ميناء الخوبة السمكي في مديرية اللحية إلى منطقة عسكرية مغلقة،.
مما أدى إلى منع الصيادين من الوصول إليه. إغلاق الميناء له تأثيرات كارثية على سكان المنطقة، لأن الكثير منهم يعتمدون على الصيد كمصدر رئيسي للرزق، ومع حرمانهم من الصيد، سيواجه هؤلاء الناس أزمة اقتصادية تهدد حياتهم وحياة أسرهم. لم تكتفِ مليشيا الحوثي بإغلاق المرافق وتحويلها إلى مناطق عسكرية، بل بدأت أيضاً بحفر الأنفاق وبناء تحصينات عسكرية داخل المناطق السكنية..
هذه الخطوة تزيد من خطورة الموقف؛ إذ إن استخدام المناطق المأهولة بالسكان لأغراض عسكرية يجعل المدنيين عرضة للاستهداف في أي مواجهة عسكرية مستقبلية. المشكلة هنا ليست فقط في تحويل هذه الأحياء إلى مناطق عسكرية، بل في توظيف الكثافة السكانية كـ”دروع بشرية”. استخدام المدنيين كغطاء عسكري يزيد من حجم الكارثة الإنسانية؛ لأنه إذا وقع هجوم على هذه المناطق، سيكون المدنيون هم الضحية الأولى. على الرغم من أن هذه الانتهاكات ترتقي إلى مستوى “جرائم حرب” وفقًا للقانون الدولي،.
إلا أن المجتمع الدولي، بما في ذلك الأمم المتحدة ومجلس الأمن ومنظمات حقوق الإنسان، يبدو غير مكترث بشكل كافٍ. هذا الصمت الدولي، الذي طالما أزعج الضمائر، يترك الباب مفتوحًا أمام المزيد من الانتهاكات. الأمم المتحدة ومجلس الأمن لديهما مسؤولية أخلاقية وقانونية تجاه حماية حقوق الإنسان، لكن غياب أي تدخل قوي يظهر عجز هذه المؤسسات أو ربما تفضيلها التركيز على ملفات أخرى، تاركة آلاف المدنيين اليمنيين يعانون دون دعم أو مساندة. أما على مستوى الحكومة الشرعية اليمنية، فإن الوضع محبط للغاية. على الرغم من تصريحات الحكومة المتكررة عن “تحركات عسكرية”،..
الا أن هذه التصريحات تبدو كأنها للاستهلاك الإعلامي فقط. الكثير من المدنيين يشعرون بأن الحكومة الشرعية، التي كان يُفترض بها الدفاع عن حقوقهم، أصبحت عاجزة أو غير مهتمة بما يحدث على أرض الواقع، مما يزيد من إحساسهم بالخذلان. هذه الانتهاكات ليست مجرد أرقام أو أحداث عابرة؛ إنها مأساة إنسانية بكل المقاييس. تهجير الآلاف يعني أن هناك عائلات تفقد منازلها، ونساء وأطفال يصبحون بلا مأوى، وشيوخ ومرضى يعانون من ظروف نزوح قاسية. هؤلاء النازحون غالبًا لا يجدون مكاناً مناسباً يلجؤون إليه، وقد يضطرون للعيش في مخيمات تفتقر إلى الخدمات الأساسية...
كما أن فقدان سبل العيش، مثل منع الصيادين من الوصول إلى البحر، يؤثر على الأوضاع الاقتصادية للأسر بشكل مدمر. ومع غياب الدعم الدولي والشرعي، يصبح هؤلاء المدنيون في مواجهة مصير مظلم، حيث تتعقد حياتهم أكثر يومًا بعد يوم، بلا أفق واضح لحل قريب. تثير حالة الصمت الدولي تساؤلات عديدة حول مصداقية الجهات الدولية المسؤولة عن حقوق الإنسان. هناك اعتبارات سياسية تلعب دوراً، وربما تكون هناك تحالفات دولية تحكمها مصالح معقدة تمنع من اتخاذ مواقف حازمة ضد مليشيا الحوثي. لكن مهما كانت الأسباب، فإن هذا الصمت يجعل المجتمع الدولي شريكًا في معاناة المدنيين، فهو يشاهد الجرائم ولا يتحرك، ما يضعف الثقة بمبادئ حقوق الإنسان التي تتبناها هذه المؤسسات..
الوضع في تهامة كارثي؛ المدنيون يواجهون انتهاكات قاسية، والمليشيات تستغل غياب الردع لفرض سيطرتها دون مراعاة لحقوق الإنسان. ومع استمرار هذا الصمت المخزي من المجتمع الدولي والحكومة الشرعية، يظل المواطن اليمني رهيناً لمصير قاسٍ، وكأن العالم قد تخلّى عن مبادئ الإنسانية. الأسئلة التي تطرح نفسها الآن: ما الذي يمنع الأمم المتحدة ومجلس الأمن من التدخل الجدي لوقف هذه الجرائم ؟ وما الذي يحول دون تحرك الحكومة الشرعية بفاعلية أكبر ؟..
قد تكون هناك اعتبارات سياسية ودولية معقدة، لكن في نهاية المطاف، هذا العجز يقود إلى تفاقم المعاناة الإنسانية لليمنيين، ويمثل عاراً على المجتمع الدولي، الذي ترك آلاف الأبرياء في مواجهة مصير قاسٍ دون حماية أو نصير...