ضحايا الإرهاب المنظم والقمع السياسي في ظل غياب الحريات الأكاديمية في اليمن..
تقرير / عدنان حجر ..
ضحايا الإرهاب المنظم والقمع السياسي في ظل غياب الحريات الأكاديمية في اليمن..
( الفيلسوف وتلميذه انموذجا )
تقرير / عدنان حجر
من ليس حرا واعيا لا يعرف معنى الحرية في قيمتها الحقيقية والجوهرية ..ومن لايعرف قيمة هذه الحرية فإنه لا يجيد سوى القمع .. وما أفظعه من قمع عندما يتم ممارسته في المؤسسات الأكاديمية التي تعد بيوتاً للخبرة ومعقلاً للفكر والإبداع، ومركزاً لانتقال وإنتاج المعرفة وتطبيقها وبؤرة للتحديث والتجديد والتنوير والتغيير ..
الحرية كما تحدث عنها الاستاذ الدكتور قاسم المحبشي : (( ترفض التسليم ببقاء الأشياء على حالها. والشك المنظم الذي تتصف به الطبيعة العلمية أمر دائم الحضور ودائم التشكك بأخر الاقتناعات الفكرية،.والحرية هي الشرط الجوهري لوجود العلم والفكر العلمي، كما يقول كروبر “إن حاجة العلم إلى الحرية، مثل حاجة النباتات التي تنمو في البيوت الزجاجية إلى الشمس والأكسجين، أما إذا طليت النوافذ بالسواد كما في الحروب، فلا تنمو إلا الأعشاب الطفيلية الضارة، والإبداع العلمي يتيبس في البيئات الاستبدادية والتسلطية”، وتلعب الحرية الأكاديمية دوراً حاسماً في تنمية المجتمع وتغييره وتقدمة وازدهاره.وهذا ما أوضحه امارتيا صن في كتابه (التنمية حرية)(مؤسسات حرة و إنسان متحرر من الجهل والمرض والفقر) بقوله”أن الحرية هي الغاية والهدف الأسمى لكل تنمية ذلك أن الحرية تعني المقدرة على الفعل والاختيار و التفكير والإبداع .وبدون أن تأمن الجامعة بيئة مناسبة للأساتذة والطلبة في ممارسة نشاطهم التعليمي والعلمي، فلا يمكن لها النمو والتطور والازدهار.وبهذا المعنى ينظر إلى حرية الجامعة واستقلاليتها المالية والإدارية والأكاديمية بوصفها حاجة ضرورية وليس من الأمور التكميلية والثانوية، بل هي أس الأسس ولب المسألة برمتها. لكن كيف يمكن للجامعة أن تكون مؤسسة حرة ومستقلة؟..))..
من نافل البيان أن غياب الحريات الأساسية ( حرية الفكر والاعتقاد والتعبير والبحث والكتابة والنشر.الخ) في المؤسسات الأكاديمية العربية عامة واليمنية تحديدا قد حولها كما تشهد الوقائع والأحداث إلى مرافق حكومية يمارس فيها القمع والإرهاب ضد منتسبيها إذ غدا الاكاديمي في هذه المؤسسات ملاحقا ومطاردا ومعتدى عليه.. اي ان الاكاديمي بدلا من أن تؤمن له مؤسسته الأكاديمية بيئة أيجابية صحية ومحفزة على العطاء والإبداع تحوله بفضل طبيعيتها البوليسية الاستخبارية إلى هدف للمراقبة والمعاقبة بحسب ميشل فوكو كما هو حال (المؤسسات الاكاديمية اليمنية) ..
ففي جامعتي عدن ( التي تأسست 1970م ) وصنعاء ( التي تأسست 1975م ) وفي مراحل من تاريخهما تعرض الكثير من الأكاديميين للقمع السياسي خاصة في عهد نظام صالح عفاش وحزبه الحاكم الذي كان مهيمنا في الشمال والجنوب باسم الوحدة والجمهورية اليمنية ..زالاصوات الأكاديمية الحرة التي طالها القمع في هاتين الجامعتين وفي غيرها من الجامعات اليمنية كثيرة جدا...غير أن هناك أصوات أكاديمية حرة ارتبطت بمخيلة الرأي العام اليمني والإقليمي والعالمي بوصف اسمائها ونضالها الفكري والفلسفي والتربوي هو الأبرز والأجود في تحقيق وظيفة المؤسسة الأكاديمية الحيوية التي لا تكون بدونها..اسماء بارزة تعرضت للاضطهاد بدلا عن التقدير والاحترام والتكريم .ومورست ضدهم شتى صنوف القمع والاضطهاد والتعذيب والإرهاب ..
كثيرة هي الاصوات الأكاديمية الحرة التي تعرضت للإرهاب المنظم والقمع السياسي والتكفير والتهديد بالقتل وفي حالات تمت عمليات الاغتيال والتصفية لاكاديميين واكاديميات متميزين ومستنيرين وأصحاب مواقف وطنية ثابته ومبادئ وقيم فكرية وثقافية نبيلة ..ونحن في هذه المادة الإعلامية المتواضعة نسلط الضوء على انموذج ( الفيلسوف وتلميذه ) من حيث المكانة العلمية والفكرية والفلسفية ومن حيث العلاقة الانسانية والتداخل القيمي والمعرفي والصمود في مواجهة سياسات التجهيل والتخريب الممنهج وأعاصير الترويع والإرهاب حتى اخر نفس للاستاذ ومواصلة التلميذ على درب الاستاذ حتى النفس الاخير ..
فاستأذ التلميذ (قاسم المحبشي) هو استاذ الفلسفة الأول في جامعة صنعاء الاستاذ الدكتور ابوبكر عبدالرحمن السقاف ( رحمه الله ) ..فيلسوف ومفكر يمني بحضور محلي وعربي ودولي ناهيك عن القيم والمبادئ والأخلاق الحميدة التى تحلى بها ومواقفه الوطنية والنضالية الثابته .. فقد تعرض لصنوف من القمع السياسي والتنكيل الاداري والإرهاب المنظم بقميص جاهلية العقل والدين المستغل وخرافة القبيلة واجرام النظام وأدواته الفاسدة التي لاتعرف معنى وقيمة العلم والفكر والفلسفة مرتبطين بالحرية ..ففي 10 مايو1995م تعرض السقاف لاول اعتداء همجي....، لأنه كان يدافع عن الصحفيين الشباب الذين تعرضوا للسجن والتعذيب، وكان ما ناله من بشاعة أفظع بما لا يقاس من معاناة الصحفيين الذين يدافع عنه ، وقد نشرت صحيفة “يمن تايمز” في اليوم التالي، صورته بعد الاعتداء عليه، بالألوان، وتوزعت الصورة على نطاق واسع، وصممت حينها بطاقة بريدية تحمل صورته، وزعتها المعارضة في الخارج نقلًا عن الصحيفة..
كما تعرض السقاف للاعتداء الهمجي الثاني في 22 ديسمبر 1996م، بعد أن شارك في فعاليات المنتدى الإقليمي حول ترقية واستقلالية الإعلام في المنطقة العربية، وقد وزع فيه رسالة حول الاعتداء الذي تعرض له، وأدانه الرأي العام المحلي والعربي والدولي، وعلى ذلك كان الاعتداء الثاني أكثر بشاعة وهمجية، حيث قامت عصابة مسلحة تابعة للدائرة الأمنية برئاسة الجمهورية بصنعاء الباردة..
قام المعتدون القامعون للحرية باختطافه وتكبيله، وانهالوا عليه ضربا مبرحا بالعصي الكهربائية، ورموا بجسده النازف في قرية “بيت بوس”، غير أنه نجا للمرة الثانية، وكانت تلك أكثر من أعجوبة، فقد تهشم وتكسر جسده في أكثر من موضع وضلع، وفقد إحدى عينيه، وساعدته بنيته الجسدية القوية وإرادته الأقوى على النهوض مرة ثانية..ومن ذلك اليوم اشتهر تعبير الشيخ عبدالله الاحمر ( رحمه الله ) ( من كتب لبج ) ..ولم يسلم السقاف من القمع والإرهاب والاعتداء الجسدي لم يسلم أيضا من الفصل من الجامعة لكنه لم يسلم من الفصل من الجامعة بسبب كتاباته وقناعاته الفكرية ومواقفه الثابته الصادقة والشجاعة والوطنية ..
وأمام القمع المتواصل الذي تعرض له اضطر أستاذ الفلسفة الفيلسوف إبوبكر السقاف مغادرة اليمن بعد سقوط صنعاء عاصمة الجمهورية اليمنية في ايدي المليشيات الحوثية الطائفية السلالية الإرهابية في عام 2015م إلي منفاه الأخير في موسكو حيث تقيم زوجته..وكتب يومها الاستاذ منصور هائل يصف المصاب الذي أصاب فيلسوف اليمن الأبرز بالكلمات التالية : ” لقد غادر صنعاء بعد مشوارٍ طويل من العطاء المثمر والعناء والآلام والدماء، بعد أن تعرض لحملات التنكيل والاعتداءات الوحشية ومحاولات الاختطاف والاغتيال التي نجا منها بأعجوبة أكثر من مرة.. "..
تلميذ السقاف الأبرز، الدكتور قاسم المحبشي استاذ فلسفة التاريخ والحضارة في جامعة عدن..مفكر ومثقف وفيلسوف يمني اثبت حضوره في عديد من المحافل والفعاليات والمؤتمرات يمنيا وعربيا ودوليا مشاركات وإدارات.. وأثبت سيره على خطى استاذه مؤكدا أنه انموذجا للتلميذ الذي ذهب مذهب استاذه في النضال الوطني والفكر الفلسفي والقيم النبيلة ورفد المكتبة الفلسفية والإنسانية والاجتماعية والثقافية والتربية بعديد من الكتب المهمة منها: (فلسفة التاريخ في الفكر الغربي المعاصر في جزئين دار يسطرون القاهرة ٢٠٢٢ومقاربات نقدية في فلسفة العلوم والتربية، دار شواهين القاهرة٢٠٢١م وفيما يشبه الانتظار؛ قضايا وافكار، دار شواهين القاهرة ٢٠٢١و إستئناف الدهشة؛ تأملات في آفاق الفلسفة وواقعها، دار الواحة القاهرة ٢٠٢١فضلا عن مساهمته في كتاب معجم الفلاسفة الأمريكان من البرجماتيين إلى ما بعد الحداثيين) بدراسة عن توماس كون فيلسوف الثورات العلمية وغير ذلك)..
كما كان بروفيسور قاسم المحبشي ومايزال حرا في فكره واختياراته وداعما ونصيرا لقضايا التعليم والمرأة والمجتمع والقضايا الإنسانية ومناهضا للعنف والتطرف والإرهاب وقواه الظلامية والجماعات التكفيرية والقمعية الأيديولوجية والسياسية بكل الوسائل والوسائط المتاحة له ومثلت تلك الاتجاهات مواقفه المعلنة والصريحة التي لم يتراجع عنها واجزم أنه لن يتراجع عنها قيد انمله ...وحصد ماحصده من الإنجازات والاستحقاقات التكريمية والتقديرية ..لكنه لم يسلم مما لم يسلم منه استاذه وطاله ماطال استاذه من الأذى والقمع والترويع المنظم والصلف السياسي والاكاديمي السلطوي الغبي .
فقد جرى اعتقاله مع بعض زملاءه بتاريخ 8 يوليو 2009م في العاصمة عدن بسبب موقفهم التضامني مع احد زملائهم وهو الشهيد الدكتور صالح يحيى سعيد، أستاذ علم الاجتماع الحضري في كلية الآداب بجامعة عدن الذي قضى نحبه في ظروف غامضة عام في 20 يناير 2018م كما تعرض الدكتور قاسم المحبشي للعقاب السياسي بعزله من رئاسة قسم الفلسفة بكلية الآداب، جامعة عدن من قبل رئيس الجامعة المؤتمري د. عبدالعزيز حبتور المنتمي إلى الحزب الحاكم حينها وذلك بتاريخ 15 فبراير 2013م بقرار تعسفي بسبب تقارير كيدية أمنية قبل أن تنتهي المدة القانونية المحددة لمدة رئاسة القسم بأربعة سنوات بحسب قانون الجامعات اليمنية (رقم95 ) كما تعرض البروفيسور قاسم المحبشي لهجوم ارهابي حينما كان نائبا أكاديميا لعمادة كلية الآداب بجامعة عدن....وذلك في صباح 27 مارس 2018م الساعة السابعة والنصف وهو الهجوم الذي نفذته خلايا إرهابية تكفيرية والذي راح ضحيته الحارس الشجاع الشهيد شائع الحريري وزميله سالم المنصوري الذي أصيب إصابة خطيرة..
إذ جاءت سيارة بثلاثة ملثمين سألوا عن نائب عميد الكلية وأرادوا دخول الكلية بالقوة فترجل أحدهم لفتح بوابة الكلية إلا إن حراسة الكلية منعوهم من فتح البوابة فباشروهم بإطلاق النار عليهما وهما الحارس الشجاع شائع الحريري وزميله سالم المنصوري اشتبكا مع الإرهابيين فاستشهد شائع الحريري في الحال بعد أن اصاب الإرهابي بطلقة مسدسه في ساقه مما سهل عملية الأمساك به وهو زعيم عصابة المهاجمين المجرم المهاجمين المجرم الأرهابي الشهير ب( علي باخريصة ) الذي تم إعلان الحكم عليه بالإعدام في محكمة عدن الجزائية بعد سبعة سنوات من ذلك الهجوم المروع وذلك بتاريخ 30مايو 2024م بعد إن اعترف بارتكابه تلك الجريمة وغيرها من الجرائم الأرهابية التي نفذه مع عصابته الارهابية. في مدينة عدن البحرية المسالمةعاصمة الشرعية اليمنية المؤقتة وكان الدكتور قاسم المحبشي بوصفه نائبا أولا للعميد هو الوحيد من عمادة كلية الآداب الذي زار ضحايا الهجوم الإرهابي في قسم طواري مستشفى الجمهورية التعليمي ..
وكتب الدكتور قاسم يومها مقالا منددا بالعملية الإرهابية ومطالبا السلطات الرسمية في مدينة عدن بوضع حدا للانفلات الأمني الذي انتشر بشكل مخيف تلك الأيام وبسبب كتاباته التنويرية في قضايا التعليم والمرأة والمجتمع المدني ومناهضته المعلنة للعنف والتطرف والإرهاب والقوى الظلامية والجماعات الإرهابية في الصحف والمواقع الالكترونية جرى تهديد حياته واضطر لمغادرة اليمن في عام 2018 بحثا عن مكان أمن...
ومثلما غادر الدكتور السقاف صنعاء غادر تليمذه الدكتور قاسم العاصمة عدن بسبب تدهور أوضاعها الأمنية وما تعرض له من قمع اكاديمي وسياسي وما تلقاه من تهديدات ارهابية مباشرة وغير مباشرة من إرهابيين ينتمون لمنظمات وجماعات ارهابية قاعدية وأخرى حوثية كانت خلايا نائمة في عدن ..
تجدر الأشارة إلى إن الدكتور قاسم المحبشي هو التلميذ النجيب للأستاذ الراحل أبوبكر عبد الرحمن السقاف وهو الشخص الوحيد بحسب المصادر التي لدينا الذي وثق المناظرة الشهيرة بين أستاذ التفكير العقلاني السقاف وشيخ التكفير الإخواني الزنداني التي جرت في جامعة صنعاء إذ روى قائلا : أتذكر الآن مناظرة يتيمة، أعلن عنها في صنعاء ذات يوم من عام 1992، في صباح ذلك اليوم ذهبت إلى كليّة الآداب بجامعة صنعاء، وشاهدت جموعاً محتشدة بجانب قاعة جمال عبد الناصر؛ معظمهم بالزي اليمني التقليدي، وبعضهم يحملون أسلحة نارية. سألت أحدهم: ماذا يوجد هنا؟ فأجابني: مناظرة فكرية بين الشيخ عبد المجيد الزنداني والدكتور أبو بكر السقاف، شكرته وتوجهت مباشرة إلى القاعة...
واصفا الوضع واللحظات بقوله : كانت القاعة مزدحمة بذوي الرؤوس المعممة ولم ألحظ الطلاب، أخذت مكاناً في الخط الثاني في زاوية قريبة للمنصة التي كانت خالية، بعد (10) دقائق من الانتظار الممل في قاعة تعج بالضجيج القبلي، دخل الأستاذ الدكتور أبو بكر السقاف منفرداً لا يرافقه أحد، فنهضت لاستقباله وعرفته بنفسي فأنا من المعجبين به وبكتاباته الرصينة. رحب بي وجلس في حالة من الذهول والدهشة من نوعية الحضور. وبعد (3) دقائق اكتظت البوابة العريضة بسيل من المسلحين الرسميين والقبليين برفقة الشيخ الزنداني، نهض معظم الذين كانوا في القاعة مرددين الشعار الأثير (الله أكبر)، مع همهمات غير مفهومة. شق موكب الزنداني طريقة مباشرة إلى المنصة في مشهد احتفالي غوغائي من التصفيق الحماسي. أجلسوا الشيخ على المقعد الأول في المنصة. كان مبتسماً كعادته ابتسامة الواثق من نفسه وربه، فحضر شخص آخر كان عضواً في هيئة التدريس في الجامعة، لم أعد أتذكر اسمه، ربما هو (منصور الزنداني)، وعلمت أنّه كان رئيساً لنقابة هيئة التدريس في الجامعة حينها، أخذ الميكرفون وافتتح الجلسة بمقدمة طويلة من القرآن الكريم والأحاديث النبوية، والترحيب بالشيخ الجليل، وقال بلهجة ساخرة: أين الفيلسوف ابو بكر السقاف؟ ردّ السقاف بصوت خفيض: أنا هنا. قال: تعالَ إلى المنصة نبدأ المناظر الفكرية! ردّ السقاف: أيّ مناظرة فكرية في ثكنة عسكرية؟ لن أصعد إلى المنصة قبل أن تختفي هذه المظاهر المسلحة، ليس خوفاً منها، ولكن احتراماً للمؤسسة الأكاديمية وللفكر ذاته...
ويضيف الدكتور قاسم قائلا : أتدرون ماذا كان ردّ الشيخ الزنداني؟! قال بلكنة ساخرة تفتقد إلى أيّ خلق فكري : هؤلاء جند الله لا تخف منهم، اصعد يا سقاف! نهض الدكتور أبو بكر بحقيبته المعلقة على كتفه، وانصرف بهدوء من القاعة، فضجت بالتصفيق البليد بانتصار الشيخ على الفيلسوف...انتظرت أن أرى ما الذي سوف يحدث بعد انسحاب الدكتور أبو بكر من القاعة، فكانت محاضرة دعوية تحريضية ضد الفكر والفلسفة والمفكرين الأحرار، ردّد خلالها الشيخ الكثير من الترهلات والخزعبلات التي لم ما أنزل الله بها من سلطان، في قاعة تعجّ بتلاميذه فقط. وكيف كانت ردة فعلك؟..وشعرت بحالة من الخوف والغثيان، وأيقنت أنّ البلاد ذاهبة في "ستين داهية". لم أكمل الاستماع، وخرجت بعد أن سمعته يصرخ بضرورة إغلاق أقسام الفلسفة في الجامعات اليمنية، وتحويلها إلى أقسام للعلوم الشرعية. وهذا ما تحقق بعد أيام حيث تم إغلاق قسم الفلسفة في كليّة التربية بصنعاء...وخرجت من القاعة وأنا أتصبب عرقاً في عز الشتاء. حمدت الله على أنّني غريب في وسط هذه الجلبة، ولا أحد يعرفني أو يعرف تخصصي. هل يوجد إرهاب فكري أكثر من هذا؟ من يتجرّأ على الكلام؟ وكيف يمكن للفكر والعلم والمجتمع أن ينمو ويزدهر في بيئة قمعية متوحشة مثل هذه؟!..
وقد كشفت الاحداث أن عام مغادرة الأكاديمي اليمني قاسم المحبشي لمدينته عدن عام 2018م هو عام السكاكين الطويلة إذ تم اغتيال العشرات من أساتذة الجامعات اليمنية في عدن وصنعاء وتعز وحضرموت، ولحج وأبين بينما اضطر آخرون للهروب من جحيم الحرب وتهديداتها ، ومن بقي منهم يعيش حياة شديدة البؤس والقسوة بسبب الحرمان من المرتبات المستحقة، لمدة أربع سنوات. هذا فضلًا عن الإجراءات الإدارية والتشريعية والمنهجية التي أقدمت عليها المليشيات الحوثية في مناطق نفوذها، بتغيير شبه كلي للمؤسسات الأكاديمية في صنعاء في الإدارة والمناهج والتشريعات والرموز والشعارات وإغلاق أقسام الفلسفة والعلوم الإنسانية والتاريخ والفصل العنصري بين الطلبة والطالبات، وقمع الحريات الأكاديمية بتهمة العلمانية والانفتاح المدني والعمل مع المنظمات الدولية والتجسس لصالح دول أجنبية كما جرى قبل أيام بتاريخ 4 سبتمبر2024للخبيرين التربويين الدكتور "محمد حاتم المخلافي" 65 عامًا و "مجيب مهيوب المخلافي" 52 عامًا، وهم يعترفون على أنفسهم بالتعاون مع المنظمات الأمريكية وقيامهم بتسريب معلومات عن العامل والمناهج في اليمن. إذ إن الدكتور، محمد حاتم المخلافي"، أستاذ المناهج والمفكر التربوي، وفيلسوف التربية المعروف على مستوى اليمن والعالم الذي ظهر من على قنوات مليشيا الحوثي وهو يدلي تحت التعذيب بما أسمته "اعترافات" واتهمامها له بأنه جاسوس عمل لصالح المخابرات الأمريكية السي آي إيه.) وغير ذلك من التهم الطائفية التي لم ينزل الله بها من سلطان! كل تلك الإجراءات التي اتخذتها المليشيات منذ سيطرتها على صنعاء بتاريخ 21 ديسنمبر 2015م أعادت تشكل المؤسسة الأكاديمية اليمنية في مناطق السيطرة الحوثية على صورتها الأرهابية الدينية المتطرفة..
هذا فضلًا عن أن الحرب المفتوحة على كل الجبهات قد أعادت تشكيلة المجتمع اليمني برمته، بما يشبع حاجاتها التدميرية؛ إذ بدلًا من أن تفتح أبواب الجامعات للشباب والشابات لتلقي الدروس والمحاضرات في بيئة أمنة ومطمئنة ومحفزة على التفكير والبحث والإبداع فتحت لهم معسكرات وجبهات قتالية كثيرة، وقد أكلت الحرب عشرات الآلاف من الشباب الذين يفترض أن يكونوا في مدرجات الجامعة، وغدت معظم الجامعات اليمنية تعاني اليوم من خلو مقاعدها من الطلاب، إذ غدت هياكل خاوية على عروشها.....
في الختام ذلك بعض ماتيسر لنا عن الاستاذ الدكتور السقاف وتلميذه المحبشي في قضية النضال اليومي في مجال الفكر والفلسفة والانتصار لقضايا الإنسان والحق والعدل والحرية ..العذر عن التقصير أن قصرنا أو أخطأنا ..والرحمة والغفران الى روح الفقيد الاستاذ الدكتور ابوبكر السقاف ..والدعاء لتلميذه. للاستاذ الدكتور قاسم المحبشي بالحفظ والرعاية الإلهية لمواصلة مسيرته النضالية في الفكر والعلم والفلسفة حتى اخر نفس بخير وسلام ..