“تهامة المنهوبة: تهميش السكان واستغلال الثروات بين الحكومات المتعاقبة ومليشيا الحوثي”
بقلم / عبدالجبار سلمان ..
تهامة، بساحلها الطويل على البحر الأحمر ومواردها الطبيعية المتنوعة، تمثل منطقة غنية بإمكاناتها الاقتصادية، حيث تعد واحدة من أكثر المناطق الثرية بالموارد الطبيعية في البلاد. تتميز بمواردها الزراعية والسمكية الهائلة، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي الاستراتيجي الذي يتيح لها فرصاً اقتصادية ضخمة عبر التجارة البحرية..
ومع ذلك، فإن سكان تهامة يعيشون في واحدة من أفقر البيئات وأكثرها تهميشاً في اليمن، حيث تعاني المنطقة من نقص حاد في الخدمات الأساسية والبنية التحتية. منذ عقود، كانت الحكومات اليمنية المتعاقبة تستغل ثروات تهامة لصالح مراكز السلطة في العاصمة والمناطق المحيطة بها، مع تجاهل واضح لاحتياجات السكان المحليين. كانت الحكومات السابقة تقوم باستخراج الموارد الزراعية والسمكية من تهامة وتوجيهها إلى الأسواق المركزية في صنعاء وغيرها من المدن الكبرى، دون إعادة استثمار العائدات في تطوير المنطقة نفسها. على الرغم من وفرة هذه الموارد..
إلا أن الحكومات لم تول اهتماماً يُذكر لتطوير البنية التحتية في تهامة. الطرق الرئيسية التي تربط المدن والقرى في المنطقة غالباً ما تكون غير صالحة للاستخدام، ولا توجد مستشفيات مجهزة بشكل كافٍ لتلبية الاحتياجات الصحية للسكان. بالإضافة إلى ذلك، فإن المدارس تعاني من نقص شديد في المرافق التعليمية، حيث يُجبر الأطفال على تلقي التعليم تحت ظلال الأشجار في كثير من الأحيان بسبب غياب الفصول الدراسية المناسبة. مع سيطرة مليشيات الحوثي على معظم أنحاء اليمن بما فيها تهامة..
استمر نفس النهج الاستغلالي. الحوثيون لم يغيروا كثيراً في سياسة الحكومات السابقة فيما يخص استغلال ثروات المنطقة، بل زادوا من وتيرة هذا الاستغلال. تقوم المليشيا بفرض ضرائب ورسوم على الصيادين والمزارعين، ما يثقل كاهل السكان المحليين الذين يعانون أصلاً من الفقر والجوع. علاوة على ذلك، يتم تحويل الموارد التي تُجمع من تهامة لتمويل المجهود الحربي للمليشيا بدلاً من استخدامها في تطوير المنطقة. لا تزال تهامة تعاني من نفس المشكلات التي كانت تواجهها في ظل الحكومات السابقة: نقص المستشفيات، غياب البنية التحتية، وتدني مستوى التعليم. في الوقت الذي تُستغل فيه ثروات المنطقة، يعيش سكانها في ظروف بائسة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة..
سكان تهامة يُحرمون بشكل مستمر من حقوقهم الأساسية في التنمية والخدمات العامة. المستشفيات في تهامة تفتقر إلى المعدات الطبية والأدوية، وتُترك المرضى في كثير من الأحيان دون رعاية صحية مناسبة. في المقابل، يضطر السكان إلى السفر لمسافات طويلة للوصول إلى مستشفيات في مناطق أخرى، ما يشكل عبئاً إضافياً على حياتهم اليومية. أما في مجال التعليم، فإن المدارس تهالكت أو تكاد تكون غير موجودة. الفصول الدراسية غالباً ما تكون غير صالحة، مما يضطر الطلاب إلى تلقي تعليمهم في الهواء الطلق تحت الأشجار..
هذا الوضع يمثل رمزاً صارخاً للإهمال والتهميش الذي يعاني منه سكان تهامة على مر السنين. إن الاستمرار في هذا النهج من استغلال ثروات تهامة دون تنمية حقيقية للمنطقة أدى إلى زيادة الفقر وتفاقم الوضع الإنساني هناك. وبدلاً من أن تكون تهامة نموذجاً للتنمية الزراعية والاقتصادية في اليمن، أصبحت نموذجاً للتهميش والحرمان..
اليوم يُواجه سكان تهامة تحديات مضاعفة، فهم ليسوا فقط ضحايا الحرب والصراع المستمر، بل أيضاً ضحايا للاستغلال الاقتصادي والتهميش الاجتماعي. لا يمكن تحقيق التنمية المستدامة في اليمن دون وضع حد لهذا الاستغلال وإعادة توزيع الثروات بشكل عادل لضمان تحسين مستوى معيشة السكان في تهامة وفي المناطق الأخرى.
لحل مشكلة تهامة، يجب على اليمنيين النظر إلى المنطقة باعتبارها جزءاً أساسياً من مستقبل البلاد. لا يمكن لأي حكومة في المستقبل أن تتجاهل احتياجات هذه المنطقة إن كانت تسعى إلى تحقيق استقرار حقيقي وتنمية مستدامة. بعض الحلول المحتملة تشمل: اللامركزية في إدارة الموارد، فيجب أن تُمنح تهامة سلطة أكبر في إدارة مواردها واستثمارها في تحسين أوضاع السكان المحليين...
بإلاضافة الى الاستثمار في البنية التحتية، فيجب تخصيص موارد لبناء طرق، مستشفيات، ومدارس في تهامة. هذا سيسهم في تحسين حياة السكان ورفع مستوى التنمية. وأيضاً إشراك السكان المحليين في صنع القرار، حيث يجب أن يكون لأهالي تهامة صوت في القرارات التي تؤثر على حياتهم وثرواتهم، وأن يُشركوا في جهود إعادة الإعمار والتنمية. ختاماً تهامة تُمثل مثالاً صارخاً على التهميش والاستغلال في اليمن، وهو أمر لا بد من معالجته لتحقيق سلام دائم وتنمية حقيقية...
يجب أن تتوقف الحكومات والقوى المتصارعة عن استغلال ثروات هذه المنطقة دون تقديم شيء مقابل لسكانها، والعمل على تطويرها بشكل مستدام وشامل. تحتاج تهامة إلى إعادة النظر في سياسات التنمية وتوزيع الثروات، سواء من قبل الحكومات المستقبلية أو من القوى المسيطرة حالياً. استغلال ثروات المنطقة بدون تقديم الخدمات الأساسية للسكان المحليين ليس فقط مسألة ظلم اجتماعي، بل هو أيضاً إهدار لإمكانيات تنموية هائلة يمكن أن تسهم في تحسين وضع اليمن ككل...