في بلدي لن أجد ما يستحق البقاء
كنت في رحلة عمر محسوبة بالدقائق والثواني والساعات والايام وهي تتسابق حتى بلغ بي العمر ما بلغ ، وفي هذه الرحلة مريت بمنعطفات ومخاطر ومراحل اتسمت بين المر والحلو منها ما كانت أيام الطفولة ومنها في مرحلة الدراسة ولكن ما شد انتباهي في هذه الرحلة تلك الرحلة المكوكية في دهاليز الوظيفة العامة والتي تنقلت فيها ما بين رئيس ومرؤس ومتحمل أسرة مجبر على رعايتها وتوفير متطلبات الحياة لها ، ومع ذلك وأنا في مكافحة هذه الرحلة مريت بعجائب وغرائب من خلال تنقلي بصحبة رفقاء وزملاء وقادة كبار كلاً له صفاته وخصاله التي فطر عليها فمنهم من يبقى معك بشحمه ولحمه يأخذ منك ويعطي ومنهم من يأخذ ولا يعطي ومنهم لا يأخذ ولا يعطي ومنهم من يعتبرك جسر عبور ليس إلا ..
وبينما وأنا في رحلتي العصيبة والشاقة والتي يمر بها اغلب مواطني بلدي في ظل هذه الظروف الاستثنائية ادركت بان في هذه المرحلة الحرجة يتلاشى الاصحاب ويتنكر عنك الأكابر من قومك ولم تجد سواء أولئك المغلوبين على امرهم من امثالك يكافحوا من أجل البقاء في مرحلة لا تستحق فيها البقاء بل تجد في المرحلة أناس قد نالوا الحظ بمكانة عالية وهم كانوا من اقزم الناس واصغرهم فيتعاملوا مع مواطنيهم بما كان ينقصهم لايهتموا بالطبقات الفقيرة ولا الوسطى بل كل اهتمامهم باولئك البشر من ذوي الأموال والمرزوقين والمترزقين واكلي السحت وناهبي الاراضي والباسطين على حقوق المظلومين من العباد وهذا ما جعل مني ان ارى رحلتنا لا تستحق البقاء او البقاء بعزة وقيادة انتفاضة شعبية يسود بها المواطنة المتساوية والعدالة امام القانون والمساواة في الحقوق والواجبات وترك المجاملات والتعامل مع الجميع سواسية دون تمييز وبعيد من المحاباه ولا قرابة ولا نسب ...لكي نعشق الرحلة ونتمنى فيها البقاء دون خذلان ولا مهانة ونعيش فيها بعزة نفس وكرامة نأخذ حقنا من المسؤول بطيبة نفس دون أي مقدمات ولا مساومات ولا مقايضات بحيث لايعتبرها المسؤول عطايا ولا هدايا لحيث وانها حق من حقوق المواطن الذي به تستقيم الأمم وتنهض الدول ومن أجله يتواجد المسؤول الذي مازال لم يعلم بان وجوده على كرسي القيادة هو لخدمة المواطن ليس إلا وهذه الميزة كثير من المسؤولين يتجاهلها ويتغافل عنها كأنه يظن بان المواطن لايعلم بها ..ومع ذلك لا يفسح له الطريق ولا يفتح إمامه الابواب للقاء به إلا ما ندر ومن كانت لديه وساطة ممن هم من المقربين بذلك المسؤول ..ولهذا كانت رحلتي طويلة وشاقة وغير جميلة لما فيه من انعدام الضمير الانساني لدى المسؤولين وما صاحبها من غياب للقيم وما شابها من انعدام لمكانة المواطن وما فيها من ضياع لحقوقه وما لحق بها من انتفاخ لبطون المسؤولين ولما كان فيها من هتك وهيانة لكرامة المواطن الذي يظل لساعات على الابواب وكأنه شحات وليس ممن لهم الحق في الحصول على معاملات ومتابعات في تلك المرافق الحكومية والعسكرية وهذه رحلة ليس بغريب على القارئ الحصيف بانها من الرحلات التي شاهد فيها ما لا يعجبه ولا يرتاح لها بل لايحب البقاء فيها ولا يتمنى المواطن ان يعيش من أجلها فتجده يعظ اصابع الندم على تضحيات ابائه وأبنائه وعلى تلك الدماء التي سألت في سبيل عكس ما كانوا يتمنوه ..فرحلتنا كانت وخيمة وتعيسة بتعاسة ممن اوجدناهم بتضحياتنا وتضحيات ابائنا ودماء الشهداء والجرحى وببكاء الامهات وانين الثكالى ونحيب الارامل وبكى الاطفال التي تجاوزت الاصقاع وسمعها من في السماء وترحم لها وتنكر لها أولئك القادة والمسؤولين وجعلوها غنيمة في سبيل سعادتهم تركونا نعاني في رحلتنا دون تعليم ولا صحة ولا ماء ولا طريق ولا كهرباء وهم يتعالجوا واطفالهم بالخارج ويدرسوا ابنائهم بمدارس وجامعات العالم من حقوقنا ومن حق رحلتنا ونحن من دفع الثمن فاقفلت أمامنا الابواب الحكومية وأغلقت مدراس أطفالنا دون أي عناية ولا اي اهتمام ممن اوجدناهم في صنع القرار ...لأهم لهم غير املاء بطونهم واشباع رغباتهم دون الاخرين...
بقلم جلال السويسي