في جلسة علمية بجامعة منوبة: الأمثال الشعبية "جسر ثقافي" يعزز التواصل بين تونس واليمن
تونس / جامعة منوبة / محمود مطهر
ضمن فعاليات الجلسات العلمية الرائدة التي عُقدت تحت عنوان: "إشكاليات دراسة اللهجة التونسية بين التنوع اللهجي والتواصل اليومي ' مشروع الأطلس اللساني التونسي"، والتي نظمها مخبر المباحث الدلالية واللسانيات الحاسوبية بجامعة منوبة قبل يوم السبت الماضي 29 نوفمبر، كشفت دراسة علمية متعمقة عن وحدة ثقافية وقيمية عميقة تربط بين المجتمعين التونسي واليمني. وتأتي هذه الندوة في إطار المساعي الرائدة للمخبر الذي يستحق الثناء على مشاريعه العلمية المبتكرة، لاسيما بعد حصوله على المركز الأول في التصنيف الأكاديمي العلمي. وقد افتتح الندوة الأستاذ الدكتور عبدالسلام عيساوي، مدير المخبر، بكلمة ترحيبية أكد فيها أهمية هذه اللقاءات العلمية، كما ترأس لاحقًا الجلسة العلمية الأولى. وشهد اليوم الدراسي مشاركة دولية نوعية من باحثين متخصصين من إيطاليا ورومانيا، وتولت تنسيقه الدكتورة فاطمة البكوش، بينما ترأس الجلسة العلمية الثانية الأستاذ الدكتور وسام العريبي. مدير مشروع الأطلس اللساني التونسي.
قدم الدراسة الباحث مجيب الرحمن الوصابي من جامعة قرطاج، تحت عنوان: "الأمثال الشعبية المشتركة بين اليمن وتونس: وظيفة الحكمة في تعزيز التواصل الاجتماعي". وقد شددت نتائجها على أن الأمثال تتجاوز كونها مجرد تعابير لغوية لتصبح نُظمًا معرفية مُركّزة ومدونات سلوكية مُوجزة، تعمل بوصفها مستودعًا للحكمة العملية ومرآة تعكس الروح الجمعي والقيم الأخلاقية للمجتمعات. تختزن الأمثال الخبرة التراكمية عبر الأجيال وتُشكل أداة تواصل اجتماعي فعّالة ولغة رمزية مُكثّفة تُستخدم لتفسير السياقات وتوجيه السلوك وإضفاء البُعد الجمالي أو الساخر على الخطاب.
انطلقت الورقة البحثية من إشكالية محورية تتساءل عن كيفية تجسيد الحكمة الكامنة في الأمثال الشعبية المشتركة، والآليات الوظيفية التي تُمكّنها من بناء جسور التواصل الاجتماعي والقيمي ودعم التماسك رغم التباعد الجغرافي بين تونس واليمن. اعتمد الباحث منهجاً تحليلياً مقارناً، ركّز فيه على رصد الأمثال التي تُظهر تشابهاً دلالياً ووظيفياً في السياقين، وشملت العيّنة محاور موضوعية كالحكمة المنبعثة من الخبرة والتجربة، ومفاهيم القناعة والرضا، والإيمان بالقضاء والقدر، والتحذير من الغدر وسوء الصحبة، والحث على العمل والاعتماد على الذات. هدفت المنهجية إلى إبراز الدور الإبستيمولوجي (المعرفي) للحكمة الشعبية وتأكيد وحدة الوجدان الثقافي العربي على الرغم من التنوع في اللهجات.
أكد الإطار النظري للبحث أن الحكمة في الثقافة العربية تتجاوز كونها مجرد معرفة نظرية لتصبح خبرة عملية، وأن الأمثال هي الأداة الرئيسية لتمريرها وتثبيتها، حيث يعمل المثل كـ "الصيغة الفنية" لتبليغ الحكمة التي هي المحتوى الأخلاقي. وتؤدي الأمثال ثلاث وظائف تواصلية رئيسية تتمثل في الوظيفة التعليمية المعيارية لتوجيه السلوك، والوظيفة التفسيرية للمواقف، والوظيفة التضامنية لخلق أرضية مشتركة للتفاهم. خلُصت الدراسة إلى أن التلاقي الدلالي الكبير في مضامين الأمثال يُثبت أن كلا الثقافتين تنبعان من مرجعية حضارية عربية وإسلامية مشتركة قوية، مما يُوحي بوجود تواصل أو انتقال ثقافي ولغوي قديم وعميق بين المنطقتين. وبالرغم من التباين في الألفاظ أو اللهجات، يبقى التطابق الوظيفي والتعليمي للأمثال عالياً، إذ تُستخدم الأمثال كآلية اجتماعية لتلطيف النقد وتقوية الحجة وإضفاء الشرعية على السلوكيات المرغوبة، وتنظيم العلاقات البينية. وتعمل الحكمة المتضمنة في الأمثال، مثل تلك المتعلقة بالقناعة والرضا، على توفير إطار للتكيف النفسي والاجتماعي مع المحن، مما يُعزز التماسك الاجتماعي. وتؤكد الأمثال المشتركة، مثل "ما يحكّ جلدك غير ظفرك"، على الوحدة الثقافية العربية العميقة، مُشَكِّلةً جسرًا معرفيًا يثبت أن الهموم الإنسانية والقيم الأخلاقية الأساسية هي قواسم تتجاوز حدود الجغرافيا وتباعد البيئات. وتؤكد النتائج أن هذا التقاطع الدلالي يُرسخ فكرة أن الحكمة الشعبية العربية ذات روح واحدة، تستمد جذورها من المشترك الحضاري وتتجدد عبر الأجيال بوصفها وسيلة للتفاعل الاجتماعي تُعيد إنتاج الوعي الجمعي بصورة مستمر.



