من سبتمبر 62 إلى حرب 2015 ثورات تختطف واحلام مؤجلة
سبتمبر 1962 لم يكن مجرد ثورة ضد حكم الإمامة الرجعي الكهنوتي، بل كان وعدًا لشعب اليمن بحياة جديدة، بدولة مدنية تحقق العدالة والمواطنة وتفتح أبواب العصر. لكن هذا الوعد ظل مؤجلًا، تُختطف ثماره في كل محطة، ويُختصر الإنجاز في شعارات لا تلامس حياة الناس.
في حرب 1994، كان الجنوب الضحية الأكبر، حيث هُزمت الشراكة الوطنية، وأُقصي كوادره، وتم نهب ثرواته تحت شعار الوحدة بالقوة. تلك الحرب كانت نقطة الانكسار التي ما زالت تداعياتها تتحكم في حاضرنا.
ثم جاءت ثورة الشباب في 2011، التي خرج فيها الملايين من مختلف المحافظات، شمالًا وجنوبًا، من أجل الكرامة والعدالة وإنهاء الفساد والاستبداد. لكنها سُرقت على مرأى الجميع عبر تسويات سياسية أبقت النظام وأعادت إنتاج مراكز النفوذ نفسها.
أما حرب 2015، فقد حملت عنوان الدفاع عن الجنوب وعدن ضد اجتياح مليشيات الحوثي والحرس الجمهوري، وانتفض أبناء الحراك السلمي والمقاومة الشعبية وأسقطوا جيوش عفاش وذراع إيران. لكن ما اعتقدنا أنه انتصار للشعب، تبيّن لاحقًا أنه جزء من مشهد أكبر، مرتب بعناية من قوى إقليمية ودولية، لتحويل اليمن إلى ساحة صراع بلا نهاية، وتكريس معاناة الناس أكثر مما كانوا عليه في زمن عفاش.
اليوم، وبعد أكثر من ستين عامًا على سبتمبر، وأكثر من عقد على ثورة الشباب، يجد اليمنيون أنفسهم أمام واقع مرير:
غياب الدولة ومؤسساتها.
انعدام الرواتب والخدمات الأساسية.
تدهور معيشي لم يشهد له التاريخ مثيلًا.
تعدد السلطات والمليشيات وتنازع القرار الوطني.
لقد تحولت أحلام اليمنيين إلى كوابيس، وأصبح الشعب بين مطرقة الحرب وسندان الوصاية الخارجية، في وقت غابت فيه القوى الوطنية الحقيقية عن المشهد، أو أُجبرت على الانزواء، فيما تتصدر المشهد قوى جُهزت لخدمة مشاريع غير يمنية.
إن ثورة سبتمبر كانت ثورة شعب، وثورة 2011 كانت انتفاضة أمل، واليوم اليمنيون مطالبون بثورة وعي جديدة، لا تُختطف ولا تُباع ولا تُفرَّط لن ينقذ هذا الوطن إلا أبناؤه الأحرار، شمالًا وجنوبًا، إذا قرروا أن يكملوا الطريق حتى النهاية، ويكسروا القيود التي كبّلتهم عقودًا طويلة .
فالتاريخ لا يرحم المتخاذلين، واليمن شمالا وجنوبا لا يستحق أن يبقى أسير صفقات الخارج ولا عبث الداخل.
القرار اليوم بيد الشعب إما أن نصنع مستقبلًا يليق بتضحيات سبتمبر وأحلام 2011 وطموح حق تقرير المصير بالجنوب ، أو نستسلم لمسرحيات الآخرين ونكتب بأيدينا فصل النهاية.