السياسي هاني البيض: اليمن أمام مشهد معقد لا يقتصر على الحرب والسلام

منبر الأخبار -خاص
في تحليله للمشهد اليمني الراهن، أكد السياسي هاني البيض أن الوضع الحالي في اليمن يمثل محاولة شاقة للبحث عن أرضية مشتركة بين الأطراف الرئيسية المتنازعة، وهي الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً (الشرعية)، والمجلس الانتقالي الجنوبي، وجماعة الحوثي، وذلك على الرغم من الجهود المستمرة لتحقيق السلام.
وأوضح البيض في مقال له على منصة إكس اطلع عليه "منبرالأخبار" أن المشهد اليمني لا يزال يشهد توازناً دقيقاً وهشاً بين هذه الأطراف. فمن ناحية، هناك الحكومة الشرعية التي تكافح للحفاظ على نفوذها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، ومن ناحية أخرى، يسعى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى تعزيز سيطرته والتطلع نحو الانفصال، في حين يواصل الحوثيون ترسيخ سلطتهم في الشمال.
تأتي هذه التطورات في الوقت الذي وصلت فيه مفاوضات السلام إلى منعطف حاسم، حيث تتداخل الضغوط الدولية مع الانقسامات الداخلية العميقة. وتتفاقم الأزمة الإنسانية داخل اليمن، بينما يترقب الجميع بحذر مصيراً لا يزال يكتنفه الغموض.
وبعد سنوات من الحرب، لا تزال خارطة القوى السياسية والعسكرية في اليمن مضطربة وتتسم بالتعقيد وعدم الاستقرار. وتفتقر هذه القوى إلى ترتيب الأولويات الوطنية والمسارات الإنسانية، وتوحيد المواقف تجاه القضايا المصيرية للبلاد.
وأشار البيض إلى أن المحاولات الدولية والإقليمية الحثيثة لفرض مسار سلام دائم تصطدم بحقائق على الأرض لا تشجع على التفاؤل. فالحكومة الشرعية تعاني من تراجع ميداني وتآكل في نفوذها، بالإضافة إلى تحديات القيادة التي تؤثر سلباً على إدارة شؤون السلطة السياسية والاقتصادية والتنفيذية.
أما المجلس الانتقالي الجنوبي، فرغم محاولاته لتعزيز السيطرة والتطلع لفك الارتباط، إلا أنه يصطدم بمعادلة دولية غير مواتية لاستعادة الدولة السابقة أو إعادة تقسيم اليمن. وقد أصبح المجلس جزءاً من مشهد تفاوضي أكثر منه مشروع دولة مستقلة، خاصة مع فقدانه جزءاً كبيراً من حاضنته الشعبية.
وفي الشمال، يواصل الحوثيون ترسيخ سلطتهم متجاهلين التصنيف الدولي لهم كجماعة انقلابية. فهم يخوضون معركة دبلوماسية إلى جانب حضورهم العسكري، ويسعون لتثبيت مكاسبهم كأمر واقع في أي تسوية قادمة، مستفيدين من تماسك جبهتهم الداخلية وتراجع خصومهم. ومع ذلك، فإن مستقبلهم السياسي يتوقف على التسويات الدولية والإقليمية، وخاصة بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي.
وفيما يتعلق بالتحالف العربي بقيادة السعودية، فقد تحول تركيزه من الحسم العسكري إلى إدارة الأزمة والسعي نحو حل سياسي. وقد أعاد التحالف تموضعه بسبب تغير المزاج الدولي والإقليمي والانشغال بملفات أخرى في المنطقة. وتسعى المملكة العربية السعودية إلى إيجاد مخرج من مستنقع الحرب اليمنية دون التخلي عن اليمن كساحة نفوذ في مواجهة إيران.
من جانبها، تدعم الإمارات العربية المتحدة المجلس الانتقالي الجنوبي وتسعى لبناء نفوذها في جنوب اليمن، في إطار إعادة ترتيب توازن القوى في المنطقة. ويبدو أن التحالف العربي قد انتقل من مرحلة التصعيد إلى إعادة التموضع بهدوء، تاركاً مصير الحرب وعاصفة الحزم معلقاً.
واختتم البيض بقوله إن اليمن يقف أمام مشهد معقد ومتعدد الأوجه لا يمكن اختزاله في ثنائية الحرب والسلام. فكل طرف يمتلك جزءاً من الجغرافيا ومشروعاً سياسياً مختلفاً أو متعارضاً، دون وجود رؤية واضحة للمستقبل. وفي خضم هذا الصراع، يدفع المواطن اليمني الثمن الأكبر، حيث يعاني من تداعيات استمرار النزاع الداخلي، ويكون أيضاً ضحية للصراعات الإقليمية والدولية.
وأضاف أن الحل السياسي، رغم عدم بعده من الناحية النظرية، إلا أنه محفوف بالعوائق التي تتعلق بمصداقية الأطراف ونواياها، وموازين القوى على الأرض، والأولويات الوطنية الحقيقية. ويظل السؤال مطروحاً حول مدى استعداد هذه الأطراف للتخلي عن المكاسب قصيرة المدى مقابل تحقيق سلام شامل ومستدام.