حيزية والدودحية: أسطورة حبٍّ مشترك بين اليمن والجزائر ....

حيزية والدودحية: أسطورة حبٍّ مشترك بين اليمن والجزائر ....

منبر الاخبار / مجيب عبدالرحمن الوصابي ..

تتقاطع الأسطورة والحقيقة في حكايتين متطابقتين نشأتا في مكانين مختلفين هما اليمن والجزائر، وتجسدان مأساة حبٍّ شعبيٍّ خالد تُردّده الذاكرة الشفوية حتى اليوم. إنّها قصّة حيزية الهلالية من الجزائر، والدودحية الخبّانية من اليمن، شخصيتان واقعيتان تحملان سمات متشابهة وتجسّدان مصير المرأة المظلومة في مجتمع محافظ، وتتقاطعان في الحب، والمأساة، والنهاية التراجيدية.

في قصّة الدودحية، يُروى أن ابن عمها أحبّها بصدق، لكن الأقدار لم تُمهّد لطريقهما، كما تُردّد الأشعار الشعبية اليمنية:

"يا دُودحيّة أنا ابن عمك أنا… وأنتِ اللي تدري بمو تمْ بيننا. لا الذنب ذنبك ولا ذنبي أنا… ذنب الذي من دُجا الباب ردّنا. يا دووووووودحية!"

وفي الجزائر، تُخلّد الأسطورة الشعبيّة حكاية حيزية بنت الشيخ بوحفص، الفتاة الجميلة التي هام بحبّها ابن عمّها سعيد، وخلّدها الشاعر محمد بن قيطون بقصيدة صارت أغنية تراثية شهيرة:

"عزوني يا ملاح في رايس البنات… خدّك ورد الصباح وقرنفل وضّاح… الفم مثل عاج المضحك لعاج، ريقك سِيّ النعاج عسله الشهايا..."

الدراسة، المقدمة لأكاديمية وهران الجزائرية، تؤكد أن تشابه الحكايتين ليس مصادفة، بل يعكس جذورًا ثقافيةً مشتركة بين اليمن والجزائر، ويُبرز التفاعل العميق في الوجدان العربي من خلال القصص الشعبية والأغاني.

ويُبيّن الباحث أن المأساة – لا النهايات السعيدة – هي ما يُخلّد في الذاكرة الجماعية، فالحبّ الذي ينتهي بالموت يصبح رمزًا للبطولة والوفاء، ويتحوّل إلى أيقونةٍ خالدةٍ تتجاوز الزمن.

وتنتقد الدراسة التفسير الماركسي الذي قدّمه الشاعر اليمني عبد الله البردوني لقصّة الدودحية، وترى فيه تبسيطًا لحكاية عاطفية مركبة تُعبّر عن أبعاد إنسانية وثقافية أعمق.

وتسعى الدراسة إلى تحليل الحكايتين سرديًا وثقافيًا، بالتركيز على:

البيئة الزمانية والمكانية التي نشأت فيها كلّ قصة، والظروف الاجتماعية والاقتصادية التي شكّلتها.

العادات والتقاليد، خاصةً ما يتعلّق بصورة المرأة، ومفاهيم الكرم والشجاعة والولاء القبلي.

الدور الاجتماعي للقصص كأداة للتعبير والتعليم والحفاظ على الهوية.

الارتباط بالغناء الشعبي، حيث تتداخل القصص مع أنماط موسيقية تعبّر عن العاطفة الجماعية.

الذاكرة الشفوية، ودور الرواة والشعراء الشعبيين في حفظ هذه القصص وتناقلها عبر الأجيال.

التأثير العاطفي الذي تخلّفه هذه الحكايات في المستمعين، ما بين الحزن والتعاطف والفخر.

وتخلص الدراسة إلى أن تحليل المشتركات الثقافية ليس مجرّد نشاط أكاديمي، بل هو وسيلة لفهم الذات العربيّة وتعزيز الشعور بالانتماء القومي، من خلال توحيد الخيال الجماعي الذي تصدر عنه الشعوب العربية...