حرية التعبير في اليمن: بين التهديد والتمسك بالحق...

في الثالث من مايو من كل عام، يقف العالم ليحتفي بحرية الصحافة، هذا الحق الذي لم يكن يومًا ترفًا، بل ضرورة أصيلة لضمان الكرامة الإنسانية، وحصن منيع في وجه الفساد والاستبداد. في هذا اليوم، نتذكر أن الكلمة الحرة هي أكثر من مجرد صوت؛ إنها واجب، وأداة للمساءلة، ووسيلة لحماية الحقيقة، وإحدى دعائم بناء أوطان تستند إلى العدالة والشفافية. في اليمن،..

 حيث تمزق الحرب جسد الوطن، وتفرّق السلاح على أطرافه، يواجه الصحفيون والناشطون واقعًا قاسيًا يفتقد لأبسط ضمانات الحماية. لا فرق بين مناطق سيطرة الحكومة الشرعية أو مناطق سيطرة ميليشيا الحوثي، فالكلمة هنا جريمة، والصمت مآل من يريد النجاة. الصحفيون اليمنيون يدفعون الثمن الأغلى، حيث تحولت مهنة الصحافة إلى مغامرة محفوفة بالمخاطر. تشير تقارير حقوقية إلى عشرات الانتهاكات سنويًا بحق الإعلاميين، من بينها الاختطاف والاعتقال التعسفي والتعذيب، بل والقتل. ولا تقتصر التهديدات على الصحافة السياسية،.

 بل تمتد إلى أي صوت يحاول مناقشة القضايا الاجتماعية، الاقتصادية، الثقافية، والدينية بحرية. الصحفي في اليمن بات مشروع ضحية. يطارد في حبره ويُعتقل بسبب رأيه، يُخفي قسرًا أو يُساوَم على حريته بكرامة أهله وأقربائه. يُهدَّد، يُبتز، ويُلاحق في منامه ويقظته، لا لشيء إلا لأنه تجرأ أن يسأل، أن يكتب، أن يرفض أن يتحوّل إلى شاهد زور...

رغم كل هذا، لم تُعتقل الحقيقة، ولم تُعدم الكلمة. لأن الحرف لا يُسجن، والصوت الحر لا يُكمم إلى الأبد. لا أحد يستطيع قتل الفكرة أو إخماد الضمير الحي. لهذا، نؤمن إيمانًا لا يتزعزع بأن الوطن لا يُبنى بالصمت، بل بالوعي، وبالصوت المسؤول الذي لا يبيع قلمه ولا يهادن في حقه. ورغم كل هذه التحديات، لا تزال هناك أصوات يمنية ترفض الصمت. المدونون، والنشطاء، والكتاب على وسائل التواصل الاجتماعي، يستمرون في كشف الانتهاكات، ومناصرة القضايا الإنسانية، والمطالبة بحقوقهم... 

لقد أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي متنفسًا وحيدًا للبعض، وإن كانت مراقَبة ومحفوفة بالمخاطر. برغم القمع، هناك بارقة أمل تتمثل في جهود بعض المنظمات الحقوقية الدولية والمحلية التي توثق الانتهاكات وتضغط من أجل تحسين أوضاع حرية التعبير. كما أن تمسك العديد من الشباب اليمني بالعمل الإعلامي والنشاط المدني، رغم المخاطر، يؤكد أن روح المقاومة الثقافية والفكرية ما زالت حيّة. إن حرية التعبير في اليمن ليست ترفًا، بل حق أساسي لا يمكن لأي سلطة أو قوة انتزاعه دون مقاومة. وبين التهديدات المستمرة وتمسك اليمنيين بحقهم في الكلام والكتابة والنقد، تستمر هذه المعركة اليومية على جبهات الكلمة، في انتظار مستقبل تنعم فيه اليمن بحرية تُحترم فيها الآراء، وتُحمى فيها الأصوات، لا تُقمع..

حرية الصحافة ليست شعارًا ليومٍ واحد، بل معركة يومية يخوضها الشرفاء بثمنٍ باهظ. لذلك، فإن التضامن مع الصحفيين في اليمن وسائر بقاع الأرض هو مسؤولية أخلاقية وإنسانية، تبدأ بالاعتراف بمعاناتهم، ولا تنتهي إلا بضمان أمنهم وسلامتهم واستقلاليتهم...

في اليوم العالمي لحرية الصحافة، نُجدّد العهد بأن نظل منحازين للكلمة الحرة، وأن نرفع الصوت عاليًا: لا تُحاصَروا الحروف، ولا تُكبلوا الضمائر. فحين تُصان الكلمة، تُصان الكرامة، ويُبنى الوطن...