إثيوبيا واليمن: جسور التاريخ وفرص المستقبل

لطالما كانت إثيوبيا أكثر من مجرد جار جغرافي لليمن، فهي امتداد ثقافي وحضاري ضارب في عمق التاريخ.

نعم ، منذ أيام مملكة أكسوم وحتى الحاضر، كانت الروابط بين اليمنيين والإثيوبيين تتجاوز حدود الجغرافيا إلى فضاءات المصير المشترك. 

واليوم، في ظل الأزمات التي تعصف باليمن، تقف إثيوبيا كأحد الخيارات الإستراتيجية التي يمكن أن تستوعب الطاقات الاقتصادية اليمنية وتفتح لها أبواب الاستثمار والتنمية.

فمنذ آلاف السنين، شهد البحر الأحمر تدفقا مستمرا للتجارة والثقافة بين اليمن وإثيوبيا. فيما كانت الهجرات المتبادلة والتداخل السكاني بين الشعبين أمرا مألوفا بدءا من الوجود السبئي في القرن الأفريقي وصولا إلى الدور الإثيوبي في اليمن خلال فترات مختلفة من التاريخ.

 ولا تزال آثار هذه العلاقات قائمة حتى اليوم في العادات والتقاليد، بل وحتى في اللغة والموسيقى.

بمعنى أدق فإن إثيوبيا، الأرض التي احتضنت أوائل المسلمين المهاجرين، كانت دوما ملاذا ووجهة لليمنيين، ليس فقط في الأوقات العصيبة، بل أيضا في فترات الاستقرار والازدهار. واليوم، بينما تفرض الحرب في اليمن واقعا صعبا على رجال الأعمال والمستثمرين، فإن إثيوبيا تقدم نفسها كوجهة طبيعية للاستثمار، تجمع بين القرب الجغرافي والتسهيلات الاقتصادية والروابط التاريخية.

طبعا تعد إثيوبيا واحدة من أسرع الاقتصادات نموا في أفريقيا، إذ شهدت خلال العقود الأخيرة تحولا ملحوظا في بنيتها التحتية واستراتيجياتها التنموية. فيما تقدم الحكومة الإثيوبية فرصا استثمارية واسعة تشمل قطاعات الزراعة والصناعة والسياحة والتكنولوجيا، وتوفر بيئة مشجعة عبر قوانين استثمارية مرنة وإعفاءات ضريبية جذابة.

وبالنسبة لليمنيين الذين تعرقلت استثماراتهم بسبب الحرب، فإن إثيوبيا تمثل خيارا عمليا و منطقيا. ليس فقط بسبب التسهيلات المقدمة، ولكن أيضا لوجود علاقات ثقافية واجتماعية تسهل عملية الاندماج في بيئة الأعمال الإثيوبية. كما أن إثيوبيا تمتلك أسواقاً واعدة يمكن أن تشكل امتدادا طبيعياً للنشاط التجاري اليمني.

على إن دعوتي لرجال الأعمال والمستثمرين اليمنيين إلى التوجه نحو إثيوبيا ليست مجرد خيار اقتصادي، بل هي امتداد طبيعي لتاريخ طويل من التعاون والتعايش.وكذلك فإن الأموال التي لم تجد بيئة مناسبة في عدن أو صنعاء أو المكلا أو تعز، يمكن أن تزدهر في أديس أبابا ودير داوا ومناطق أخرى تفتح ذراعيها للمستثمرين القادمين بروح البناء والإبداع.

والحق أقول لكم لقد أثبتت التجربة أن رأس المال اليمني يمتلك قدرة فريدة على التأقلم والنجاح في مختلف البيئات، ويكفي النظر إلى التجارب اليمنية الناجحة في شرق أفريقيا والخليج لنرى كيف يمكن لهذه الاستثمارات أن تؤتي أكلها. والآن، مع تطلع إثيوبيا إلى تعزيز شراكاتها الإقليمية، فإن الفرصة مواتية لإحياء الدور الاقتصادي اليمني في هذه المنطقة الواعدة.

لنخلص إلى أن إثيوبيا ليست مجرد بلد مضيف، بل هي امتدادٌ للروح اليمنية في شرق أفريقيا. واليمنيون، الذين طالما كانوا بناة للتجارة والحضارة، يمكنهم اليوم أن يكونوا من مستقبل إثيوبيا المزدهر. بل إن الاستثمار في إثيوبيا ليس فقط خطوة اقتصادية، بقدر ما هو تكريسٌ للعلاقات التاريخية وإحياءٌ لجسور التعاون التي لطالما ربطت بين الشعبين. و لذلك نتمنى أن يكون رأس المال اليمني عنوانا أهم لنهضة هذا البلد الشقيق . الشقيق جدا.