الهاشمي الوثني واليمني الموحد بالله والوطن: ملهاة الاستعباد في ألف وأربعمائة عام.....
يتكرر المشهد ذاته منذ أكثر من أربعة عشر قرنا، إذ يخرج أحد أبناء علي وفاطمة، متبجحا بلقبه وأحقيته الإلهية في الحكم، ليواجه اليمني الموحد بالله والوطن بحجة بائسة: "أنا جدي محمد، وأنتم تصلون عليه خمس مرات في اليوم!" وكأن الصلاة على النبي شهادة أبدية بالولاء لأحفاده، وليس اتباعا لرسالة التوحيد التي جاءت لنسف العصبيات والتمييز السلالي..
والشاهد أن اليمني الذي عرف التوحيد قبل قريش بمئات السنين، وأقام الممالك، وشيد السدود، ونشر الحكمة، يجد نفسه اليوم مستلبا، مخدوعا، مأخوذا بسحر الأوهام السلالية. لماذا؟ لأنهم لقنوه عبر قرون أن التوحيد بدأ من قريش، ونُزعت من ذاكرته أسماء أنبيائه الأوائل: هود، وصالح، وداوود، وسليمان. هؤلاء الذين لم يكونوا عربا، بل يمنيين، وأقاموا دولا قائمة على الشورى والعدل والمساواة، لا على الحق الإلهي المزعوم..ظ
والحق أقول لكم كيف قبل اليمني أن ينحني لمن جاء من فارس وأعماق نجد، يحمل في يده خرافة "الاصطفاء"؟ ..
نعم ،لو كان اليمني واعيا لإرثه التوحيدي، لقال في أذانه: "وأشهد أن هودا وداوودا اليمانيين أنبياء الله." لو فعلها، لأرسى أول مدماك لدولة التوحيد الحقيقية، حيث لا قداسة لأنساب، ولا حكم لغير العدل والشورى والانتخابات...
لكن بدلا من ذلك، ابتلع الطُعم، وألقى بحكمته في البحر، وصدق أن الله قد اصطفى بيتا بعينه ليحكمه أبد الدهر. وهكذا، جاء الرسي، دخل صنعاء بعمامة سوداء، وخدعة كبيرة: "أنا حفيد النبي!" فانحنى له القوم، ظانين أنهم بهذا يتقربون إلى الله، ولم يدركوا أنهم يعيدون سيرة بني إسرائيل حين سجدوا للعجل.!..
ولأنه لم يكن بحاجة إلى جيش جرار، ولا إلى سلاح فتاك، بل جاء بسلاح أكثر خطورة: الخرافة. قال لهم: "أنتم عبيد آل البيت." فآمنوا. قال لهم: "طاعتي طاعة الله." فخضعوا. ثم نثر عليهم الفتات من بركات البركة السلالية، وظلوا قرونا يأكلون الفتات وهم يحمدون الله على نعمة الاستعباد...
لكن بصريح العبارة لم يكن اليمانيون بحاجة إلى هاشمي ليعلمهم العدل والشورى. لقد عرفوا الشورى قبل أن تولد قريش، ومارسوا الديمقراطية قبل أن يخترع العرب مفهوم القبيلة القريشية المركزية. بل كانت لديهم ممالك يختار فيها الشعب ملوكهم، بينما كانت قريش قبيلة غارقة في القتال على زعامة السقاية والرفادة...
لكنهم عندما نسوا هذا الإرث العظيم، وحولوا التوحيد إلى طقوس خاوية، وسلموا عقولهم لمحتالي الولاية، تحولوا إلى قطيع يساق بعصا "المقدس"، الذي لا يزرع، ولا يبني، ويستفيد لكنه يحكم، فقط لأنه ينتمي لنسب لم يختاره بنفسه!..
فيا ابن اليمن، إن كنت تصلي على محمد خمس مرات، فاسأل نفسك: هل بعثه الله ليكون جد حاكمك الأبدي، أم ليحررك من العبودية؟ إن كنت توحد الله، فلماذا تسجد لبشر يزعم أنه ظل الله في الأرض؟و إن كنت تفخر بأجدادك، فعد إليهم، وأعد للآذان كلماته الناقصة، وأعلنها صراحة:
"لا سيد إلا الله، ولا حكم إلا للشعب."!..