العروض الترامبية؛ وتشابه الاستجابة العربية الاوروبية
ثمة تشابه ملفت بين الموقفين الاوروبي والعربي ؛ وطريقة تعاطيهم مع مقترحات ترامب الصادمة ومواقفه المنحازة لصالح موسكو وتل ابيب بدرجه تفوق حتى توقعات بوتن ونتنياهو.
يدرك الطرفان الاوروبي والعربي ان ميزان القوى الدولي لا يسمح لهم بمعاداة واشنطن او القطيعة معها. لكنهم يدركون ايضا حجم المخاطر الوجودية الناجمة عن مسايرة الادارة الامريكية الجديدة والامتثال لضغوطها . لذا فانهم يواجهون نظرية الرجل المجنون التي ينتهجها ترامب ، من خلال سياسة الشرطي الطيب و الشرطي الشرير لتوسيع هامش المناورة و تبادل الادوار وتقاسم الاعباء.
عربيا رأينا كيف ان مصر و الاردن اخذت تمارس تصعيدا مضادا وصل الى حد قيام القاهرة بالتعبئة العسكرية في سيناء ، وبالتوازي ذهبت السعودية - وبتنسيق عربي ايضا- لتقديم الحوافز وبحث البدائل في واشنطن .
كذلك اوروبيا كان واضحا ان كييف وباريس اخذت دور التصعيد المضاد وصولا الى الملاسنة الشخصية بين زلنسكي وترامب ، في حين تحاول لندن تقريب المواقف و تقديم الحوافز ولعب دور الجسر بين ضفتي الاطلسي.
وعلى هذا النحو تتشكل قواعد اللعبة الدولية خلال العام ٢٠٢٥:
تدرك الدول المتضررة انها في مرحلة "عض اصابع" وقد اختارت الصبر الاستراتيجي بدلا من الرضوخ ، وهي تراهن على ان ترامب لن يكون ذو نفس طويل وقد يتخلى عن افكاره في حال اثبتت الايام عدم واقعيتها ، لاسيما في حال جرى استمالة ترامب بصفقات مالية في مقابل عدم ارتكابه اي مغامرات جيوسياسية.
اما الدول المستفيدة (اسرائيل وروسيا) فتحاول استثمار شهر العسل غير المضمون لتحقيق اقصى قدر من المكاسب ، لذا فانها تصافح مبعوثي ترامب باليد اليمنيى وترحب بمقترحات التسوية، وباليد اليسرى تواصل سياسات الامر الواقع لتعديل موازين القوى على الارض، و تسميم الاجواء بين واشنطن وشركاءها الدوليين.
وقد بات واضحا للجميع ان العام الاول لترامب سيكون الاصعب دوليا ، لذا سنجد ان الموقفين العربي والاوروبي يتشابه ايضا بالاتجاه نحو مزيد من الوحدة الداخلية ، و قد جرى ربط اوكرانيا اكثر بالامن الاوروبي الجماعي كما جرى ربط القضية الفلسطينية اكثر بالامن العربي القومي. وهذا ليس مصادفة سياسية ولا هو يقظة قيمية ، بل هو ضرورة استراتجية لاحتواء اندفاعة الحليف الامريكي.
وخلال العام ٢٠٢٥ ، سوف يكتشف ترامب تباعا جسامة التحديات التي تواجهه داخلية وخارجية ؛ وحينها سيكون امام ثلاثة خيارات:
- اما ان يقامر بالتمسك بافكاره في مقابل خسارة حلفائه ، وحينها يكون الرئيس الذي انهى عصر القيادة الامريكية للعالم .
- او ان يعدل من نهجه السياسي ويقدم عروض تسوية اكثر توازنا تعيد انتاجه ايضا كرئيس برجماتي وصانع سلام.
- او انه قد يركز تماما مع الاجندة الداخلية و يعود للتعامل خارجيا بالاستناد الى كتيب الارشادات الامريكي وعقيدة الامن القومي التي صاغها اوباما وسار على نهجها بايدن.
ترجيح الخيار الاول او الثاني مرهون بنقدار المقاومة الدولية من قبل الحلفاء ، اما الخيار الثالث فمحكوم بطبيعة الضغوط الداخلية من جانب الدولة العميقة و المنافسين السياسين والراي العام.
لقد نجح ترامب عبر نهجه الشعبوي في استعادة موقعه كأقوى رئيس في العالم .. لكن النظام السياسي الامريكي يختلف كليا عن النظام الدولي ، وما كان صالحا للتعاطي مع الداخل قد لا يصلح بالضرورة للتعامل في الخارج.
وعلى المدى القريب ، تمثل سياسة ترامب تحديا جيوسياسيا بالنسبة للعرب و الاوروبين ، اما على المدى البعيد فان ترامب يكرس لدى حلفائه عقيدة الاستقلال الاستراتيجي عن واشنطن كشرط حتمي لضمان امنهم القومي. وهذه الخسارة لن تشفى منها امريكا مطلقا بعد اليوم.