القاضي أنيس جمعان... قامة قانونية تنحني لها الهامات

في عالم يضج بالظلم والجهل بالقانون، نحتاج إلى عقول نيرة وأقلام حرة، وأشخاص وهبوا حياتهم لنصرة الحق وإعلاء صوت العدالة، ومن بين هؤلاء الأفذاذ القاضي أنيس جمعان، الرجل الذي لم ألتقه يومًا، ولم أجلس معه ولو لساعة، لكن تأثيره في حياتي كان أبلغ من كثيرين قابلتهم وعرفتهم.

كنت أظن أنني، بحكم كوني نقابيًا وناشطًا حقوقيًا، ملم بجوانب القانون وأبعاده، لكن بعد التعمق في كتاباته وأفكاره، وجدت نفسي أمام موسوعة قانونية تمشي على الأرض. تعلمت منه كيف يكون القانون سلاحًا بيد العارف، وكيف تتحول الكلمات إلى مستند قانوني محكم، وكيف يمكن للحق أن ينتصر حين يصاغ بلغة صحيحة لا ثغرات فيها ولا مجال للتأويل.

إنه رجل لا يجود الزمان بأمثاله كثيرًا، قامة شامخة في مجال القضاء والقانون، عملاق في فكره وتحليله، ورمز لمن يريد أن يفهم القانون لا أن يكتفي بحفظ نصوصه. لا يجامل، لا يحابي، بل يضع النقاط على الحروف ويكشف الحقائق بجرأة نادرة.

كم من عقول تائهة وجدت في كتاباته النور! وكم من أقلام ضائعة تعلمت كيف تصوغ الحقائق دون أن تقع في شراك الخطأ القانوني! وأنا واحد ممن تأثروا به وتعلموا منه، رغم أنني لم أنل شرف لقائه بعد.

لهذا الرجل تنحني له القبعات احترامًا، ويقف أمامه كل منصف وقفة تقدير وإجلال. وأتمنى أن يجمعني الله به يومًا، لأقول له وجهًا لوجه: شكرًا لك على هذا العطاء النبيل، شكرًا لأنك جعلتني أفهم القانون كما يجب أن يُفهم.

جلال باشافعي 

ناشط نقابي وسياسي جنوبي