بروفيسور قاسم المحبشي ينعي صديقه : حزين لرحيلك الصادم صديقي القاضي علي محسن شملان....

بروفيسور قاسم المحبشي ينعي صديقه  : حزين لرحيلك الصادم صديقي القاضي علي محسن شملان....

منبر الاخبار / خاص

كم هو صادم نبأ رحيل الصديق العزيز، القاضي على محسن شملان؟ نعم خبر صادم ومحزن إن يغيب الموت قاضيا عادلا محترما فضلا عن كونه صديقي عزيزا الف رحمة ونور تغشاه ونسأله تعالى أن يتغمده بواسع رحمته ويسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه ومحبيه الصبر والسلوان...

عرفته منذ أكثر من عشرين عاما. شاب ممشوق القوام، قليل الكلام معتزا بنفسه ، يجبرك على احترامه من أول مقابله معه. ربما تعارفنا في مناسبة أجتماعية بالصدفة ولكنني احسست بثقة تجاهه..

 بعد أن عرفته وخبرته احترامت القضاء والمشتغلين فيه.شخص يمثل العدالة بكل أمانة ونزاهة وجدية . رغم صغر عمره  إلا أنه حينما يكون في عمله يشعرك بان عقله أكبر بكثير من سنه وربما يعود ذلك إلى اجتهاده في دارسته الأكاديمية بكلية الحقوق بجامعة عدن إذ كان مع زميله القاضي المحترم غالب بن غالب فريد مدير مكتب رئيس القضاء. الأعلى من المتفوقين في كلية الحقوق..

 كان خير من يمثل العدالة في كل القضايا التي كانت تحال اليه . لم يظلم عنده أحد أبدا فضلا عن صرامته تجاه المتهمين ومن تثبت عليه التهم ! كنا يعبر عن صوت القانون الذي ليس له لا قلب ولا عيون حينما يتصل الأمر باحقاق العدل وانصاف المظلوم ..

 جمعتنا مواقف وأيام وذكريات وكنت أستشيره دائما في القضايا التي تتصل بالقانون..

 رحمة الله عليه لم يكن يبخل عليّ بوقته ومعلوماته بل يضطر أحيانا للبحث عنها في المكتبة القانونية...

أتذكر أنني في أحد المرات زرته إلى منزله في مدينة صبر بلحج وناقشت معه الجانب القانوني في القضية الجنوبية وسألته في ماذا كان يتطبق على ما جرى في الجنوب من تدمير ونهب المؤسسات العامة وصف ( جريمة الإبادة الجماعية)؟..

اتذكر ليلته كيف استفزه السؤال واعتدل في جلسته وواجهني بوجهه وقد تغيرت ملامحه إلى الجدية الصارمة..

 قال لي: ايش ؟ جريمة إبادة جماعية؟ هل تعرف معنى تلك العبارة؟ قلت له إلى حد ما! قال : تلك مهمة ثقيلة ولا يستطيع التصدي لها إلا كبار القانونيين الدوليين يا دكتور وليس لدنيا في اليمن كلها من يمكنه أن يفيد فيها أحييك على اهتمامك بتلك الموضوعات القانونية الصعيبة التي يخاف منها رجال القانون ذاتهم...

 قلت له: ممكن أن  تنصحني بقراءة كتب في موضوع جريمة الإبادة الجماعية لعلني اكون فكرة أولي عنها. صمت برهة ثم تذكرت مجموعة من الكتب والمراجع نصحني بقرأتها وربما يتذكر الصديق الباحث أمين اليافعي أحد أهم المصادر التي استندنا عليه في دراستنا اليتيمة عن الجنوب وجريمة الإبادة الجماعية...

القاضي على محسن شملان تدرج في السلك القضائي  من قاضي نيابة عامة في أبين وفي تعز وصنعاء وقاضي نيابة الأموال العامة في محافظة لحج وقاضي نيابة يهر ، يافع، ووكيل نيابة البريقا في محافظة عدن وكان مرشحا لمهام أرفع منها نظرا لسمعته الطيبة بوصفه من أفضل حماة العدالة وإنصاف المظلومين...

خلال تعارفنا الطويل لم أعرف مكان ميلاده حتى عرفت متاخرا من شخص عزيز عليه أنه من منطقة الزغرور في يافع كلد؛ وهي قرية كبيرة متميزة بكوادرها وبطيبة أهلها وأخلاقهم النبيلة..

 رحمة الله عليه ولد فيها عام ١٩٧٠م وترعرع في كنف عائلته الكريمة ومجتمعه المحلي المتضامن. لم ألتقيه إلا في القاهرة حينما جاء بغرض العلاج قبل عامين تقريبا.  جمعنا باش مهندس صلاح العودي في عزومة غدا على شرف قدوم القاضي علي محسن شملان. في القاهرة التقينا أكثر من مرة وحينما غادرها إلى عدن بعث لي صورته وهو طالع الطائرة وكأنه كان حاسا بانه الوداع الأخير... 

نعم أنا حزين لرحيل صديقي الوفي فموت اصدقائنا هو موت لجزء مننا ولن يتعرض ابدا! وذلك لأننا عندما نخسر صديقًا ما فإننا نخسر معه شيئًا من كينونتنا وذواتنا، ونخسر قطعةً من «جزيرتنا العاطفية» التي كانت مُحاطةً في يوم من الأيام ببحر عواطف هذا الصديق الراحل: لقد تدلّى العالم بأكمله في دمعةٍ فريدة؛ دمعة تعكس الغياب في كثافته. فالموت لا يسلبنا زاويةً من زوايا عالمنا أو لحظةً كانت تخصّنا في يومٍ من الأيام فحسب، وإنما يسلبنا في كلّ لحظة ودون رحمة شخصًا تجسّد لنا على صورة العالم أو بالأحرى على صورة عالمنا الخاص الذي أضحى الآن هشًّا دونه»..

“تغرق مع الراحل قطعةٌ من روحنا؛ كينونةٌ كانت بالنسبة لنا هي العالم الأكبر أو العالم الأوحد. هذه اللحظة تغرق الآن في الهاوية...