في قلق البحث عن المعنى والعلاج بالفلسفة ..!!!..

لما يعد الكوجيتو الديكارتي  "أنا أفكر، إذن أنا موجود" يشبع المعنى بل استنفذ طاقته مع السؤال النيتشوي ماذا يعني إن تكون موجودا؟..

بينما كان أنطوان روكنتان جالسا على مقعده يتأمل الموجودات من حوله في حديقة عامة. استوقفت نظره شجرة القسطل الكثيفة الاغصان والأوراق الصغيرة والفروع المتداخلة ذات الجذور السوداء إذ حدق بها طويلا وغمره وجودها الصامت حد الشعور يالغثيان ( هذه الشجرة الصامتةالجامدة "التي تثير الذعر في قلبي) فكتب " لم احس قط بما تعنيه كلمة وجود من معنى كما أحسست بها هنا والآن يا للهول أنني أرى الوجود يكشف النقاب عن كينونته  فجأة بصورته العبثية الكلية بوصفه وجودا لا مباليا في هذا العالم " ( ينظر، سارتر ، الغثيان ، 1938، ص25) ..

وهكذا يكتشف سارتر على لسان بطله سبب قلقه الوجودي العميق ويعلق موريس كرانستون في كتابه "سارتر بين الفلسفة والادب" قائلا: "ان فكرة الحياة في كون ليس نظاما حتميا يمكن التنبؤ به يسير وفق قوانين ضرورية صارمة – هي بالنسبة للإنسان فكرة مرعبة, ان سارتر النيتشوي يفهم تعطش الناس الدائم لإيجاد معنى لوجودهم يمنحهم الأمل والدافعية وهو يعلمهم ان يعيشوا بتعطشهم دون أمل متعالي والى الابد" على هذا النحو يكتشف سارتر معنى الوجود لذاته "الشعور" الوجود وجود الاشياء – الوجود في ذاته – ووجود الذات التي يقع عليها وحدها إنجاز ماهيتها إذ أن ( الوجود أسبق  الماهية) فلا يوجد معنى قبليا للحياة التي قدر علينا إن نكابد عيشها ولا عذر للموجود طالما وهو موجودا. ان "روكنتان" هو نفسه سارتر, وهذا ما يقوله سارتر بنفسه في كتابه "الكلمات"" في الثلاثين من عمري, نجحت في ان اصور في "الغثيان" تصويرا صادقا الوجود اللا مبرر "العبث" المر لدى بني جنسي "لقد كنت" روكانتان, وكنت اظهر فيه بلا تلذذ حبكة حياتي" ..

وسارتر بذلك يمضى على طريق سلفه الالماني مارتن هيدجر الذي يميز بين الوجود الأصيل والوجود الزائف فالعدم عند هذا الاخير هو الشرط الذي يجعل الكشف عن الوجود ممكنا بالنسبة للانية "الانسان".. وهذا القلق الذي يضعنا في حضن الوجود من خلال الكشف عن العدم هو نفسه الذي يقودنا الى الاصالة والضمير, من خلال الشعور بالوجود للموت..
 
بهذا المعنى يمكننا فهم صرخة نيتشة حينما اكتشف العدم في العالم الحديث والمعاصر عندما قال "لقد تحسست قلبي وقلوب أهل زماني فوجدت أن الله قد مات " يقصد إله المسيحيين طبعا. مع نيتشه غدا الإنسان لوحده في هذا العالم التحرر من الاله ومن المعبودات الأخلاقية . ان مسئولية هذا العالم خيره وشره تقع الان على عاتق الإنسان المهجور لوحده دون اية بادرة أمل في عون, لا من السماء ولا من الأرض , ويرد نيتشه عن هذا التساؤل المفزع: ولكن هل يستطيع الانسان أن يعيش دون أمل ؟.. دون ان يؤمن بشيء؟ تلك هي المعضلة؛ معضلة نزع السحر عن العالم وترك الإنسان مغتربا في عالم خالي من الأمل والمعنى العزاء والسلوى. إذ بات الإنسان بعد نزع الغيب  يعيش عالماً يفتقد إلى السحر ويتراجع فيه الشغف ويكاد يخلو من المعنى. وكما فعل سارتر في رواية الغثيان عبر هيدجر عن قلق المعنى فيما اسمها بالضجر". إن الضجر العميق الذي يجثم علينا كسحابة صامتة تنتشر في غياهب النفس الإنسانية، يقرب بين الناس والأشياء، وبينك وبين الناس جميعا في حالة لا تمايز وسوية مدهشة"، هذا الضجر، يتابع هايدغر في (ما هي الميتافيزيقا) يكشف الكائن في مجموعه". يأخذ الضجر الحقيقي المرء بعيدا عن بؤرة اهتمامه العادية، عن الموجودات. ويركز وعيه بدلا من ذلك على الوجود ككل الذي ينكشف أمامه" في الواقع يرى هيدجر إن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يضع لوجوده معنى وبهذا يأتي قلق المعنى. أن وجود العالم هو وجودا حتميا أسبق من وجود الإنسان وليس بمقدور الإنسان غير منحه المعنى الذي يجعل الحياة الإنسانية ممكنة فجميع الكائنات الاخرى توجد في هذه العالم وفي متناول اليد لكنها لا تنشغل أبدا بمنح وجودها أي معنى غير الحضور في العالم بينما الوجود الإنساني(الدزاين Dasein) هو الكائن الوحيد القادر على التفكير والتساؤل حول معنى وجوده. يجب، حسب هايدجر، التمييز قبل كل شيء بين نوعين من الوجود: الوجود المبتذل والوجود الأصيل. في الأول، الإنسان هو مجرد رقم قابل للتبديل، نوع من الآلة بدون شخصية (das Man)، كيانه ينحصر في وظيفته الاجتماعية؛ ويعيش في عالم أليف، فالأشياء بالنسبة له أدوات وأواني، ويهيمن عليه الاهتمام بالخبز اليومي. فهو يعيش غير أنه لا يوجد. إن الوصول إلى الوجود الحقيقي يكون من خلال القلق. كل الناس قلقون، لكن معظمهم يرفض الاعتراف بذلك؛ إنهم يخفونه عن أنفسهم، ويدفعونه بعيدًا، ويقتصرون على الوجود التـ. ـافه. فقط الفلاسفة يوافقون على الترحيب بالمعـ. اناة وما تحمله من كشوف. فماذا يكشف لنا القلق؟ الحالة البشرية، كيان الإنسان، لا يوجد بشكل مجرد ومفهومي، ولكن بشكل ملموس، من خلال نوع من الخبرة الميتافيزيقية. تأمل فقط أربع سمات للوجود البشري الأصيل وهي: الوجود في العالم الدزاين؛ الوجود الواعي للموت الوجود الأصل ذلك " ..

أن الإنسان كائن مقدَّر له أن يموت، كائن يحتضـر، والموت تقييد تدريجي لإمكانياتنا؛ في اللحظة التي يكتمل فيها المجموع، حيث يتثبت المجموع الكلي لإمكانياتنا، يقـ. ضــ. ـى على وجودنا ذاته. لا بديل ولا علاج ولا سبب أيضًا. الموت انتصار حادث قـــ. ـا سي على مشاريعنا. والموقف الوحيد الكريم هو الاستقالة، والقبول الحر للمصير. وهكذا، فإن الوجود الأصيل يطور باستمرار نوعا فرعيا من الموت" وثالث خاصية للوجود الإنساني الزمنية أي وعي الزمن " فالزمنية هي طريقة الإنسان في الوجود: فهو وجود مشتت ومنــ. ـتـ. شي. كما أن الإنسان يوجد خارج ذاته، فهو يلقي بنفسه في المستقبل"أمام ذاته، لأنه لأنه ينتظر الحاضر باستمرار من خلال مشاريعه. وهو في الماضي "خلف نفسه"، بهذا الجزء من نفسه الذي لم يعد قادرًا على تغييره، والذي سقط في مجال الحوادث. فالوقت إذن هو نشوة مزدوجة، تقوم على الحاضر الذي يصنع الإنسان نفسه فيه" 
والحرية هي الخاصية الرابعة لكائن المعنى الحرية هي التي تؤسس ماهية الإنسان، وهذا يعني بأن كل يصنع نفسه بشكل حر، وليس شيئا آخر سوى ما صنعه من نفسه. هنا نجد أنفسنا أمام مسؤولية كبيرة. نحن مسئولون ليس فقط عن أفعالنا بل عن وجودنا. وبصفة أوسع، نحن مسئولون أيضا عن العالم، بسبب المشاريع التي نقوم بها والتي تعطيه معنا ما، لأن ما يعطينا هذا العالم يعتمد على ما نطلبه منه( ينظر، محمد الخشين، الوجودية 2020) وانا أبحث في قلق المعنى والعلاج بالفلسفة سألت الذكاء الاصطناعي فكان جوابه التالي : 

في عالمٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتزايد فيه التحديات، يعاني العديد من الأفراد من ما يُعرف بـ”قلق المعنى” أو الإحساس بالفراغ الوجودي. يتجلى هذا القلق في تساؤلاتٍ عميقة حول جدوى الحياة والغرض من الوجود، ما يؤدي إلى شعور بالعجز، والتوهان، وأحياناً الاكتئاب. لكن هل يمكن للفلسفة أن تقدم علاجاً لهذه الأزمة الوجودية؟..

ماهية قلق المعنى..

قلق المعنى هو شعورٌ وجودي يتولد لدى الإنسان عندما يواجه أسئلةً كبرى حول ماهية وجوده والغرض منه. يظهر هذا القلق بوضوح في المجتمعات التي تتسم بالفردية المفرطة، أو التي تفقد فيها القيم التقليدية مكانتها المركزية، مثل المجتمعات الحديثة التي تشهد تغيرات اجتماعية وثقافية عميقة..

يرتبط هذا القلق، كما أوضح الفيلسوف النمساوي فيكتور فرانكل، بفقدان “الإرادة للمعنى”. فعندما لا يجد الإنسان سبباً يقوده لمواصلة حياته أو معنى لما يفعله، يتحول الوجود إلى عبء نفسي كبير.

الفلسفة كوسيلة للعلاج..

لطالما كانت الفلسفة مجالاً للتأمل العميق حول القضايا الوجودية الكبرى. ويمكن أن تكون أداة علاجية فعالة لقلق المعنى من خلال ما يلي:
 1. البحث عن المعنى الفردي
يرى فيكتور فرانكل، مؤسس العلاج بالمعنى (Logotherapy)، أن لكل إنسان معنى خاصاً عليه اكتشافه بنفسه. ويؤكد أن المعنى يمكن أن يوجد حتى في أحلك الظروف. بالنسبة لفرانكل، فإن الإنسان لا يحتاج إلى إجابة كونية مطلقة، بل إلى معنى شخصي يتلاءم مع تجاربه وقيمه.
 2. التساؤل الفلسفي بوصفه علاجاً
التساؤل الفلسفي يساعد الفرد على التفكير بعمق حول الحياة والوجود، ما يمنحه شعوراً بالسيطرة على أفكاره ومخاوفه. الفلاسفة مثل سقراط ونيتشه دعوا إلى استجواب الذات واختبار القيم والمعتقدات الراسخة، وهي عملية تُعيد للفرد علاقته بالحياة ومعناها.
 3. القيم العليا والأخلاق
اقترح الفيلسوف الألماني إيمانويل كانط أن معنى الحياة يكمن في تحقيق الواجب الأخلاقي والسعي نحو الخير. يمكن أن يوفر الالتزام بمبادئ أخلاقية متينة شعوراً بالهدف والانتماء.
 4. التأمل في الموت كحافز للمعنى
تناول الفلاسفة مثل هايدغر فكرة الموت كشرط أساسي لفهم الحياة. التفكير في الموت لا يعني الهروب منه، بل استيعابه كحافز للعيش بوعي أكبر وتحقيق الذات.

خطوات فلسفية للتعامل مع قلق المعنى
 • التأمل الذاتي: طرح أسئلة جوهرية حول الغايات الشخصية والقيم التي يعتنقها الفرد.
 • تقبل الغموض: الاعتراف بأن الحياة لا تقدم إجابات جاهزة، وأن الغموض جزء من التجربة الإنسانية.
 • الارتباط بالمجتمع: إيجاد المعنى من خلال العلاقات الإنسانية والمساهمة في تحسين حياة الآخرين.
 • العيش في الحاضر: الفلسفة الرواقية، على سبيل المثال، تدعو إلى التركيز على اللحظة الراهنة بدلاً من القلق بشأن الماضي أو المستقبل.

الختام

الفلسفة ليست مجرد ترف فكري، بل هي وسيلة عملية تساعد الإنسان على مواجهة قلق المعنى عبر توفير أدوات للتأمل، والبحث، والعيش بوعي أكبر. من خلال الاستفادة من رؤى الفلاسفة الكبار، يمكن لكل فرد أن يسعى لفهم أعمق لوجوده وتحقيق غايته في هذا العالم المضطرب...