“ جريمة فاطمة عايش: بين التمييز في المعاناة وتهميش أهالي تهامة ”....
في اليمن، حيث تتسع رقعة الانتهاكات والظلم بشكل يومي، تبقى بعض الجرائم غير مرئية أو حتى غير معترف بها من قبل المجتمع الحقوقي والإعلامي. من بين تلك الجرائم، تبرز قصة المواطنة فاطمة عايش أحمد، المرأة التهامية التي كانت حاملاً في شهرها السادس عندما تعرضت للخطف والاعتقال والتعذيب على يد مليشيات الحوثي في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة، قبل أن تفارق الحياة هي وجنينها خلال أسبوع واحد فقط...
هذه الجريمة البشعة، التي تعبر عن الوجه القبيح للانتهاكات الإنسانية في اليمن، لم تلقَ الاهتمام اللازم من قبل الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، ولا حتى من وسائل الإعلام بمختلف توجهاتها. منذ عقود، تعاني تهامة، تلك المنطقة الساحلية الغنية بمواردها، من التهميش والإقصاء السياسي والاجتماعي والاقتصادي. رغم أن سكانها يدفعون ثمن الحروب والصراعات كغيرهم من أبناء اليمن، إلا أن معاناتهم تُهمّش وكأنها لا تندرج ضمن قائمة الأولويات الحقوقية أو الإعلامية...
يبدو وكأن الألم التهامي أقل قيمة أو أقل استحقاقاً للانتباه مقارنة بما يحدث في مناطق أخرى من البلاد. جريمة فاطمة عايش ليست فقط انتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان، بل أيضاً تذكيراً بالمظلومية التاريخية التي يعيشها أبناء تهامة. فهنا، لم يُسمع صوت الغضب أو الاستنكار من قِبل النشطاء الذين لطالما تصدروا مشاهد التضامن مع قضايا أخرى. أين الحملات الإعلامية؟ أين البيانات الحقوقية؟ وأين المواقف الأخلاقية؟..
يبدو أن الجواب يكمن في ازدواجية النظرة إلى الألم، حيث تصبح بعض المعاناة أكثر أهمية من غيرها بناءً على الانتماء الجغرافي أو الاجتماعي. من اللافت أن جرائم اعتقال النساء في مناطق أخرى من اليمن قد حظيت بتغطية واسعة وتضامن شعبي وحقوقي كبير، وهو ما يستحق الإشادة بطبيعة الحال. لكن، لماذا لم تحظَ قضية فاطمة عايش بنفس القدر من الاهتمام؟ هل السبب في كونها من تهامة، المنطقة التي لطالما تم التعامل مع أهلها كفئة مهمشة؟ أم أن هناك معايير مزدوجة تُستخدم في تقييم القضايا الحقوقية؟ هذه الازدواجية تثير تساؤلات عميقة حول مصداقية المدافعين عن حقوق الإنسان والإعلاميين الذين يفترض بهم الوقوف على مسافة واحدة من جميع الانتهاكات. فالصمت تجاه هذه الجريمة يعني ببساطة التواطؤ مع القاتل، وتكريس النظرة الدونية التي لطالما عانى منها أبناء تهامة...
فاطمة عايش ليست مجرد رقم جديد يُضاف إلى قائمة ضحايا مليشيات الحوثي، بل هي شاهدة على العقلية السلالية والمناطقية التي تتعامل بها هذه المليشيات مع أبناء تهامة. الجريمة التي أودت بحياتها ليست مجرد حادثة فردية، بل هي جزء من منظومة عنف تمارسها المليشيات بهدف إذلال وترويع أبناء هذه المنطقة. استهداف فاطمة كأم حاملة في شهرها السادس، وإنهاء حياتها وحياة جنينها، هو ليس فقط جريمة قتل بدم بارد، بل أيضاً جريمة ضد الإنسانية وضد كرامة الإنسان. هو إعلان حرب على كل نساء تهامة، وعلى قيم العدالة والإنسانية التي يجب أن تتجاوز حدود المناطق والانتماءات..
قصة فاطمة عايش يجب أن تكون جرس إنذار لكل من يعمل في المجال الحقوقي أو الإعلامي في اليمن. هي دعوة لإعادة النظر في الطريقة التي يتم بها تبني القضايا الحقوقية. يجب أن تتوقف ازدواجية المعايير، وأن يتم تسليط الضوء على جميع الجرائم بنفس القوة والإصرار، بغض النظر عن مكان وقوعها أو هوية الضحايا. على المجتمع الحقوقي والإعلامي أن يتحمل مسؤوليته في توثيق ونشر هذه الجريمة، وإيصال صوت نساء تهامة إلى العالم. كما يجب العمل على فضح المليشيات الحوثية ومحاسبتها على جرائمها ضد النساء والأطفال في تهامة وغيرها من المناطق...
وفي الختام فاطمة عايش ليست مجرد اسم، بل هي رمز لمعاناة نساء تهامة وصرخة في وجه الصمت المريب. قصتها تكشف زيف الشعارات الحقوقية إذا لم تُرافقها أفعال متساوية تجاه جميع الضحايا. على الجميع أن يتذكر أن الألم والمعاناة لا يميزان بين المناطق، وأن الإنسانية لا تعرف التفرقة...