لست قرشيا .. بغداد قبل السقوط وبعده ومأزق الطائفية.....


لست قرشيا .. بغداد قبل السقوط وبعده ومأزق الطائفية.....

بروفيسور / قاسم المحبشي...
( الجزء الثاني والاخير )..

(وحدها الذكريات السارة والمؤلمة تبقى عالقة بالذاكرة) ..

للحكاية بقية طويلة ولكن المشاهد المروعة انه ليس هناك ما هو أخطر من سقوط الدول وموسساتها العامة في مجتمع معلول بالأمراض الطائفية المزمنة...والمفزع أن تظهر أول دبابة أمريكية يتم تفجيرها في بغداد منذ الاجتياح، كانت رابضة بمحاذاة العمارة التي كنا نسكنها مباشرة...

وظلت طوال الليلة فيما سموها عملية عقرب الكرخ. كنا أنا والدكتو فضل الربيعي والدكتور عبدالله المعلم وزميل اردني لم اعد اتذكر اسمه. وشباب المقاومة يحتفلون بهذا المشهد الذي كان له ما بعده إذ حلّق طائرة الاباتشي وضربة ثلاثة صواريخ رهيبة قتلت كل من كان في الشارع في مشهد بالغ القسوة والوحشية...

 من حظ الزميل علي الرداعي أنه عاد الى العمارة قبل الضربة بدقائق. نحن كنا نراقب المشهد من بلكونة شقتنا في الدور الخامس وحينما ضربت الأباتشي صواريخها على الشباب تهدمت كل النوافذ والأبواب الزجاجية في عمارتنا والعمارات المجاورة، وأصيب حينها زميلنا الأردني. 

وكنا بعد سقوط النظام العام وشيوع الفوضى نضع نقودنا عند صاحب البقالة خشية السرقة والسطو الذي أنتشر بعد انهيار الدولة في كل مكان وبعد تعرض الكثير من الزملاء لجرائم سرقات وسطو عدة...

ورغم كل ماكنا نشاهده بام اعيننا أنا وزملائنا الدارسين من معارك ومانواجهه من مخاطر   كنا نسابق الزمن ونصل الليل بالنهار في كتابة اطاريحنا ومناقشتها باقصى سرعة ممكنة إذ كان التهديد والمخاطر تحيط بنا من كل الجهات..

تلك بعض حكايتي في ذكرياتي البغدادية أيام النار والرماد في أجمل وأفخم واحداث شوارع بغداد الكرخ، شارع حيفاء القريب من المتنبي والرشيد حيث امضيت أيامي الأخيرة قبل مناقشة الأطروحة..

وخلاصة الخلاصة إن السياسة تؤثر في حياة الناس بأشد مما تؤثر فيهم تقلبات الظروف الطبيعية ( الاحوال المناخية التي منها: الرياح والحر والبرد والخصب والجدب والعواصف والفيضانات والإعصار والزلازل والبراكين والأوبئة حسب بول فاليري. وما حدث في العراق وفي غيرها من البلدان العربية يعد أسوأ بما لايقاس مما يمكن أن تفعله أشد الكوارث الطبيعية فتكا . وما أخطر السياسية وما أفدح شرورها إذ تركت على حل شعرها؟! ربما كان الفرق بين الكوارث الطبيعية والشرور السياسية والاجتماعية يكمن في أن الطبيعية لا تفرق بين الكائنات الحية وغير الحية التي تفتك بها بينما الشرور الاجتماعية والسياسية تستهدف ضحاياها بمبررات ايديولوجية عبثية لم ينزل الله بها من سلطان. الطبيعية تعيد الإنسان إلى حالته البيولوجية الأولى  بوصفه كائنا أرضيا بين الكائنات الأخرى التي تقع على درجة متساوية من الظلم والضرر لأنها ببساطة بلا قلب أو عيون بينما السياسة والايديولوجيا تختار ضحاياها بقسوة لا مثيل لها...

( انتهى وذلك بعض ماحكيت لكم من ذكرياتي البغدادية في الجزء الاول والجزء الثاني هذا والحكاية طويلة وطويلة وسنروي ماتمكنا أن نحكيه لكم  في مناسبات قادمة ان شاء الله .)...
مع خالص تحياتي لكم..