رحلتي في أرخبيل سقطرى 4

رحلتي في أرخبيل سقطرى 4

منبر الأخبار

 

بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي

   واصلنا السير على هضبة دكسم لما يزيد على ثلاثين كيلومترا ، لم يسجل ناظري إلا قرية كبيرة على شمال الطريق ، تقع في شعب بين سلسلتين من التلال ، وهنا استحضرت الذاكرة قرى في حضرموت لاسيما إذا انطلقت من المكلا باتجاه الشحر ، فإنك تجد كثيرا منها قد شيدت في بطون الشعاب والأودية مايشي بالتواصل الثقافي بين الأرخبيل وبين حضرموت ، كذلك شاهدت أكثر من ثلاثة خزانات مياه حديثة الإنشاء ، شيدت من الحجر الأصفر والإسمنت ، تشبه في تصميمها وبنائها تلك الخزانات التي كان ينشئها النظام الشمولي في سبعينات القرن المنصرم في المناطق النائية للبدو الرحل ، غير أن خزانات المياه التي ترافقك على امتداد هضبة دكسم محاطة بأسوار واسعة شيئا ما مبنية بالأحجار والإسمنت ، كالذي بني منها الخزان ، وتتوسط الهضبة من الجهة الغربية على يمينك استراحة متواضعة ، وهي عبارة عن خيمة جميلة ، تحاكي واقع الحال لقاطني الهضبة من البدو السقاطرة ، عليها سور متواضع ، تلج إليها من بوابة متواضعة أيضا  ، تبعد عن الطريق بضع مئات من الأمتار ، سألت أحدهم  ، ما اسم هذه الاستراحة ؟ أجاب : استراحة الرئيس ، قلت : ومن أنشأها ؟ قال : الرئيس الأسبق ، وهو كذلك من أنشأ شبكة الطرقات المرصوفة بالأرخبيل ، سكان تلك الهضبة ، هم الأكثر بداوة ، والأكثر بساطة إذا ماقورنوا بغيرهم من أهل الأرخبيل ، بشرتهم عربية سمراء ، وأخلاقهم أخلاق العرب الأقحاح ، يحترفون الرعي ، إذ تشاهد أنعامهم (الإبل والبقر والضأن والماعز) تنتشر على مساحة الهضبة طولا وعرضا ، مشغولة عنك بقضم العشب ، المتوفر على الهضبة من غير عناء ، آمنة مستقرة إذ خلا الأرخبيل تماما من الحيوانات المفترسة ، حتى الكلاب ليس لها وجود في الأرخبيل ، وهذا ما أكده أهل الأرخبيل أنفسهم ، وهو أمر يبعث على التساؤل ، كيف وجدت الأنعام في الأرخبيل ولم يوجد شيء من السباع والحيوانات المفترسة باختلاف أنواعها ؟ هل استوطن الإنسان الأرخبيل بعد أن كان ذات يوم ضمن مياه المحيط ، ولما تراجعت المياه وانسحبت منه ، استوطنه الإنسان ، ثم استقدم النافع والأليف من الحيوان  ؛ كالإبل  والأبقار والماعز والضأن  ، وتجنب استحضار الضار والمؤذي منها ...       الهضبة _ بعد الاستراحة _ تبدأ بالدنو شيئا فشيئا ، وهنا تظهر أم الأشجار سامقة نحو السماء ، فارعة الطول ، كأنها فتاة عربية حسناء ، تحمل فوق رأسها جفنة كبيرة قد ملئت بالثريد ، تريد تقديمها لنا نحن معشر الضيوف القادمين ؛ إنها شجرة دم الأخوين ، التي تنتشر في أجزاء كثيرة من جنوب الهضبة ، وهنا قررنا التوقف ومد بساطنا وتنظيم متاكئنا تحت إحداهن  ، عند ذلك حدقت بالبصر شرقا وإذا بنا خلف جبل شاهق منيع  ، سألت أحدهم ، أليس ذلك جبل حجهر؟ قال بلى ، ولكن نحن الآن خلفه من الجهة الغربية ، والعاصمة حديبو حيث تقيم  ، تقع الآن خلفه من الجهة  الشرقية ، بقينا نتبادل أطراف الحديث حتى ضعف وهج الشمس إذ بدأت تنحدر نحو المغيب ، وإذا بتيارات هوائية باردة بدأت تتسلل نحونا ، إذ شعرت وكأن أطرافي قد تثلجت من شدة البرودة ، فقلت ماذا يحدث أيها الزملاء ؟ أجاب أحدهم ، إن مناخ هذه الهضبة يختلف كثيرا عن مناخ بقية الأرخبيل ، فالبرد الشديد والضباب المقيم يستوطنان هذه الهضبة طول العام..... انتظرني أخي القارئ في سردية أخرى من أرخبيل سقطرى