تأتي الرياح بما لاتشتهي السفن
منبر الأخبار
بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي
رحمك الله ياشاعر الأمة وحكيمها وفيلسوفها ، إذ رحلت عنا ، ولكن بعد أن تركت لنا نبعا صافيا فراتا زلالا ، نهلت منه الأمة ومازالت تنهل وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .
حقا إن الرياح المنتنة لاتعكر الأجواء على السفن وحسب بل قد تفسد أجواء البشر ، وتزكم أنوفهم ، وربما بلغ بها الأمر إلى قتل الابتسامة قبل أن تشع من أفواههم ... في ليلة حزينة - قد سبقتها ليال خيمت على الكاتب بالحزن والأسى - خرجت لأداء واجب العزاء ، فوجدت في دار العزاء كثيرا من الأهل والأحبة والأصدقاء ، وبعد أن تبادلنا التعازي لساعتين من الزمن تقريبا ، طلب مني صديقاي المقربين أن ننطلق لاستكمال ليلتنا الرمضانية عند وزير من أهلهم الأقربين ، خرجنا من دار العزاء أنا وهما وابني أحمد ، سألني الأخير إلى أين يا أبي ؟ قلت : امض بنا يابني بعد مركبتيهما لعلنا نخرج من عالم الأحزان إذ سنقضي وقتا ممتعا في منزل معالي الوزير فلان ، قال : مانسمعه عن هؤلاء القوم يا أبي إنهم عنصريون لايقبلون بالآخر ، ولايستطيعون التعايش إلا مع أبناء جلدتهم يا أبي ، أجبت بشيء من القسوة ، دعك يابني من هذه الألفاظ المنتنة التي ليس منها شيء في معجم أبيك ، ولم أقبل يوما أن يتلفظ بها أحد من أبنائي ، أجاب أحمد ، معذرة يا أبي فهذه الألفاظ حقا منتنة ، لكنها - مع أسفي الشديد - قد أصبحت جزءا من ثقافة القوم وأحاديث مجالسهم وتعاملاتهم في بلدنا ، ولكن هؤلاء أصدقائي يابني والوزير يعرفني جيدا ، قال أحمد : أرجو أن يكون الأمر كما تشتهيه وتتصوره يا أبي ، ولاذ بالصمت . وصلت مركبتنا البوابة الخارجية الغربية ، استأذنت الحارس للدخول ، قال : ماصفتك ؟ فأجبته ، ثم عاد وسأل : من أين أنت ؟ قلت : من عدن ، قال : أنا أسألك عن أصلك ؟ قلت : صبيحي ، قال : غير مسموح لك بالدخول ، في هذه الأثناء وصلت مركبة أحد أصدقائي ، تراجعنا قليلا للخلف بمركبتنا ليتسنى لصديقي الدخول بمركبته ، دخل صديقي مباشرة لمعرفة الحراسة بأنه من جنس الوزير ومن منطقته وأحد أبناء قريته ، عاودت أنا الكرة للدخول ، قال الحارس : ألم نمنعك أنت ؟ قلت : بلى ولكن ألم يستأذن لي صديقي ؟ قال : كلا لم يحدثني عنك ، وهنا أمرت ابني أن يتوجه بنا إلى حبيبي الغالي وصديقي العزيز رجل الأعمال الأستاذ حسين علي ؛ لنستكمل سهرتنا مع إنسان ، عقله نظيف وقلبه طيب ونفسه كبيرة تستوعب الجميع ومنزله محترم . في هذا الوقت وصل صديقي الآخر ، فقال : لماذا لم تدخلا ؟ قلت : لم يأذنوا لنا بالدخول ، وهنا قال للحارس دعهم يدخلا إنهما من الأهل ، وقبل أن ندخل ، كان قد ذهب صديقي مسرعا نحو منزل الوزير ، ولم يلتفت إلى الخلف . ولجنا من البوابة الخارجية ، وعند بوابة المنزل وجدنا بضعة حراس ، قام أحدهم يفتشني ، امتثلت لذلك ؛ لأن التفتيش في مثل تلك الأماكن أمر لابأس فيه ، فهو من صلب مهام الحارس وواجباته ، وبعد الانتهاء من التفتيش وضعت يدي اليمنى على الباب لأدخل ، وإذا بأحد الحراس - من هيئته يبدو أنه قائد حراسة منزل الوزير - يستوقفني ويقول : من أين أنتم ؟ قلت : صبيحة ، قال : الوزير لديه اجتماع مهم الآن ، وقد أمرنا بأن لانسمح لأحد بالدخول عليه هذه الليلة ، قلت : ولكن قد دخل صديقاي الآن إليه ، قال : أقول لكما عودا من حيث أتيتم ، ولاداعي للأخذ والرد لأنه غير مجدي في مثل هذا الأمر ، عدت في الحال إلى منزل الخير والبركة والخلق الرفيع ، وقضينا فيه ماتبقى من ليلتنا الرمضانية المباركة ، غير أنني بقيت أتساءل مع نفسي ، ما الذي جرى لأخلاق القوم ؟ ولماذا صديقاي يطلبان مني أن أذهب معهما إلى معالي الوزير ثم يتنكران لي ويهربان مني ؟ وهم يعلمان يقينا أنني لست بالضيف الثقيل لاعليهما ولا على الوزير بل يدركان تماما أنه لم يسبق لي أن قابلت مسؤولا في حكومتنا الوهمية وطلبت منه شيئا من المال أو الطعام ، إنهم يعلمون أن مالدي من العزة والترفع إذا ماوضعا في كفة ووضع في الكفة الأخرى مالدى البلاد وسكنتها لرجحت كفتي ، لكن يبدو أن الخوف قد اعتراهما وسيطر عليهما من افتراض أن يسألهما الوزير ، لماذا تأتون بالغرباء معكم ؟ وهنا تذكرت قول أحمد وتيقنت من أنه كان أفضل مني معرفة بالواقع ، وأجدر مني حدسا لنبض الشارع !!!