أنت بحاجة إلى تحديث يا أبي
منبر الأخبار
بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي
أن تجلس مع الأبناء وتسمع منهم ذلك شيء طيب ، لكن الأطيب منه أن لاتغضب إذا ما أغاضك أحدهم برأي مخالف أو متعصب ، ولتعلمهم وتتعلم منهم الاستماع لرأي الآخر وتقبل الاختلاف ، وأن الأخذ والرد في مثل هذه الأمور يجب أن لايفسد للود قضية .
في ليلة عيدية تهيمن عليها السعادة ويتخللها الأنس ، كنت أتحدث إلى أحد أبنائي عن راهننا إذ أرى الزمن يسعى جاهدا نحو رفع الصغار وإبراز السوقة والمغفلين والمعتوهين ، ويعرض عن أرباب الحكمة ، وأصحاب المشاريع الكبيرة ، بل وينتقص من أولي الألباب ، ومن حباهم الله الأفكار البناءة ، والعقول الصانعة للأمم وتشييد الحضارات ... في هذه الأثناء ضحك مني ابني حتى القهقهة ، وعند ذلك أدرك امتعاض أبيه وغضبه وعدم رضاه من ذلك الأسلوب الساخر ؛ لذلك أسرع في الاعتذار إلي ثم قبل رأسي ، وبعد أن عاد إلى موضعه ، بادر بالاستئذان ، هل تسمح لي يا أبي أن أتحدث إليك بما يشبه الإجابة على أقوالك السالفة ؟ قلت : أجل ، هات مالديك يابني . قال : أنت بحاجة إلى تحديث يا أبي ، ماذا تعني بالتحديث أيها الابن المشاكس ؟ أعني أن أفكارك مازالت قديمة يا أبي ، افصح يابني . فمازلت لما أفهم بعد ماترمي إليه ؟
سوف أوجه لك بعض الأسئلة لمعرفة نسبة مواكبتك الحداثة يا أبي . سل ما بدا لك يابني . ماذا تعرف عن الشاعر عظيمان يا أبي؟ وهل علمت من هو الأسطورة شوشع يا أبي؟ وهل عرفت شيئا عن الصنعاني مومر يا أبي؟ كلا يابني ، لا أعرفهم . وبعد شرح مستفيض منه تبين لي أنهم أشخاص معتوهون ، أتريد من أبيك أن يكون معتوها كأحدهم حتى تصدق أنني قد واكبت الحداثة ؟ تمهل يا أبي ، سوف أقرب لك الفكرة وأوضحها حتى تدرك أهمية الحداثة والتحديث ، كيف يابني ؟ هل تصدق يا أبي إذا قلت لك إن المعجبين بشعر عظيمان أكثر بكثير من المعجبين بشعر البردوني؟ كذلك هل تعلم يا أبي أن سردياتك المطرزة بالحكمة والموعظة ، والأمثال السائرة ، المزينة بالبديع الذي لايبلغ التكلف ، والكنايات الدالة ، والاستعارات المؤثرة ، والتشبيهات البليغة ، المصنوعة من الجمل القصيرة المتساوية ، والألفاظ المتشاكلة ، والأضداد الساطعة ، تحصل على الإعجابات التي يحصل عليها الأسطورة شوشع عندما يسجل هدفا وهميا ؟ أم تظن أن سردياتك التي تسهر الليل في حياكتها ، وتبدع في صناعتها ، تجد الصدى الذي يجده شعر عظيمان؟ إن سردياتك المكتوبة باللغة العربية الفصحى لايبلغ عدد المعجبين بها العشرات ، لكن المعجبين بالأسطورة شوشع تجاوز عددهم الملايين ، والمعجبين بشعر عظيمان ، تجاوز عددهم مئات الآلاف ، واعلم يا أبي أن سياسة العالم المهيمن اليوم تنحدر نحو فرض هذا الواقع المؤلم ، ألا ترى أن حكام اليوم الذين يفرضهم الغرب على الأمم والشعوب المتخلفة لايختلفون في شيء عن شوشع وعظيمان ومومر يا أبي ؟ صدقت يابني نحن في أمس الحاجة إلى التحديث ، ولكن التحديث الذي من شأنه القضاء على أولئك المعتوهين والبلهاء .