من الجرائم التي لاتغتفر
منبر الأخبار
بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي
لعل ممايشتت الفكر ويدمي الفؤاد ، هو أن تجد أبا يزوج فتاته الحسناء ، ابنة القصر ، التي لاتعرف السير على أقدامها إلا ماكان من تجوالها في أروقته ، وعلى حشائش الحديقة وبين نوافير المياه وتحت أغصان الزيزفون ، تأكل من فواكه أشجار البستان الطازجة ، وتشرب من جداوله النقية العذبة ، وتستنشق الهواء المعطر بروائح الورود والأزهار ، تلبس الحرير وترفل في النعيم ، من حولها الواصفات ، ويركع لإشارة سبابتها الخدم والحشم ، لاتعرف حر الهجير ، ولا زئير الرياح أو شيء من الضوضاء والصفير ، إنها كالعرش إذ تحيط به المياه ، وكالبدر إذ يبدد من حوله الظلام ، جميلة يكللها الغنج يتوجها الدلال ، نجلاء العينين ، زهراء الطلعة والمحيا ، فارعة الطول ، مفصلة القوام ، بارزة النهدين ، متوسطة الردفين ، الماء البارد مغتسلها والشراب ، ودهانها المسك والعنبر …
تزوجها راع وافد من البادية ، ينام في الكهوف ، ويفترش الشوك والحصى ، يصاحبه الكلب ، وتحيط به الأغنام ، سلاحه المخبط ، وعدوه الذئب ، يلتحف الشملة ، ويعطره الدمان ، دهان شعره الشحم ، ومنعم جسمه القطران ، تجده يسابق الطيور في البكور ، ليقتنص ثباب السمر بمخبطه ؛ ليشبع منه أغنامه ، ويعود في المساء مكتنزا من خزره - ثماره - كمية ، يقتات منه ويصنع قهوته ، يستمد حواره من نباح الكلب ، ويصنع مستقبله من عواء الذئب ، تجده يكره الجمال ، ويحارب التحضر والكمال ، يسن شفرته لإراقة الدماء ، لافرق عنده بين الإنسان والحيوان ، يكره التنمية والبناء ، ويفضل الخيام على القصور ، يساوي بين الحشرات وأسماك الشروخ ، لديه البعرة أهم من الجوهرة ، والبعير أفضل من الطائرة ، جسمه خشن يخدش في الصخور ، لايفرق بين الروائح النتنة وبين العطور والبخور …
فماذا عساه أن يفعل مع العروس الطهور بل كيف سيتصرف مع الجوهرة بنت القصور ؟؟؟ وهنا يكون بيت القصيد ، حقا لقد طمس معالمها ، وشوه جمالها ، واخشوشن ناعمها ، قتل أنوثتها ، وانتزع حياءها ، وذهب برونقها ، استبدل نهارها بليلها ، وعنفوانها بذلها ، وكرامتها بإهانتها ، حولها من ملكة إلى جارية ، ومن حرة إلى أمة ، ومن القائدة إلى المقودة ، ومن السيدة إلى المسودة ، وأنزلها من الثريا إلى الثرى ، ومن القمة إلى الحضيض ، ومن الأعلى إلى الأسفل ... هذا ما أصبحت عليه وفيه تلك الفتاة الجميلة ؛ إنها معشوقة الكون و البحار ... لاسامح الله الرعاة يوم تزوجوا بك يافتاة القصور ، واستبدلوا عفتك والطهور بالعهر والسفور .