رحلتي في أرخبيل سقطرى 10
منبر الأخبار
بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي
حتى لايظن القارئ أن تواجدي في أرخبيل سقطرى ، كان بفعل رحلة سياحية ، بل كنت ضمن وفد مكلف من وزارة التعليم الفني للقيام بزيارة بعض المؤسسات التعليمية والاطلاع على أدائها وتجهيزاتها عن قرب ، كان من ضمن الوفد وكيل الوزارة لقطاع تعليم الفتاة الأستاذة انتصار عبد الله الجفري ، من المؤسسات التعليمية التي زرناها للتعليم الأساسي مدرسة عطايا النموذجية ، كان في استقبالنا مدير المدرسة بالنيابة الأستاذة راقية وبمعيتها كوكبة من المعلمات ، وبعد الترحيب الحار بنا والابتهاج بقدومنا ، قمن بجمع التلميذات والتلاميذ في دقائق معدودة ، ثم سلمن الإذاعة المدرسية لتلميذة متميزة أدارت ذلك الجمع من الفتيات والفتية إذ قدموا عروضا رياضية بدنية مصحوبة بفقرات علمية إبداعية ، كانت أكثر من رائعة ، بقينا نشاهد ونستمع في حالة من الذهول والانبهار بذلك الأداء المتميز والانتظام المحترم ، أمرين يدلان على جدارة الملقي وحسن تقبل المتلقي ، وذلك ماجعل الذاكرة تستحضر زمن الطفولة وسني المدرسة إذ كان المعلمات والمعلمون من أشقائنا العرب ، من مصر والشام والسودان إضافة إلى المعلمين اليمنيين ، ودعنا مدرسة عطايا النموذجية ، ونحن نحمل انطباعا جيدا إذ شاهدنا بذرة طيبة في الأرخبيل من الجيل القادم تزرع وتسقى بأيد عربية مقتدرة ، نسأل الله لها التوفيق والنجاح…
في الليلة قبل الأخيرة من زمن الزيارة للأرخبيل ، هاتفني أخي العزيز الشيخ منصور سعيد علي العطري ، وإذا به يقول : نحن أعددنا مأدبة غداء احتفاء بقدومك إلى الأرخبيل ، وهذا ماشكل لي مفاجأة إذ لم أكن أعلم أن في الأرخبيل أحدا من الصبيحة ، لبيت الدعوة مع أن لدي التزامات أخرى اضطررت إلى التخلي عنها وعدم الوفاء بها ؛ لأنني سألتقي بأصدقاء أعزاء بل بأهل أقرباء ، وفي الصباح جاء الشيخ منصور وبصحبته العقيد محمد أحمد منصر الأغبري وأحد طلابي النجباء إنه عبده محمد ياسين الهاشمي ، اصطحبوني إلى مقهى مجاور لاحتساء الشاي ، ولما اقترب وقت الغداء ، أخذنا الغداء وانطلقنا من حديبو إلى متنزه زائد في دليشة ، ذلك المتنزه يحتضن واد تجري مياهه إلى البحر من الجهة الشمالية الغربية ، ويطل على البحر من الجهة الشرقية ، احتلينا إحدى الشاليهات المطلة على البحر ، تناولنا غداءنا ، ثم أعددنا المتاكئ للمقيل ، حقا إنه كان يوما رائعا من الأيام التي يصعب نسيانها إذ ساد اللقاء ابتهاج الأحبة بعد طول غياب ، وفرحة الأهل عند اللقاء بعد التشتت والفراق . عدنا في المساء إلى مقر إقامتنا ، وإذا بالشيخ منصور يضع مفاتيح مركبته في يدي قائلا : هذه مركبتي دعها معك لتستعين بها على مشاويرك في الجزيرة ، قلت له : أنا سوف أصعد الآن لأنام ؛ لأنني سوف أغادر حديبو صباح غد إلى عدن ؛ لذلك لم يعد لي حاجة بالمركبة ، قال : إن كان الأمر كذلك فأنا من سيقلكم إلى المطار صباحا ، قلت له : لابأس في ذلك ياشيخ منصور .
أفقت باكرا ولملمت أغراضي على عجالة ، تناولت مسرعا كأسا من الشاي مع لقيمات من الخبز ، وقتها سمعت صوت المركبة فنزلت برفقة رفاقي ، انطلقت بنا المركبة مسرعة نحو المطار ، كنت أتمنى حينها أن تبطئ المركبة بالسير وأن يطول الطريق لعلي أملأ عيني من مناظر الجزيرة التي سلبتني العقل واستوطنت الفؤاد ، وصلنا إلى المطار ، وصعدنا إلى الطائرة ، فحلقت بنا فوق أجزاء من الجزيرة ، وقلبي يعتصر ألما ، إذ قضيت أياما جميلة لم أكن أتوقع أن تنقضي بتلك السرعة ، ولكن هذا هو حال الدنيا ، الأيام الجميلة ترحل عنك بسرعة فائقة ، وتبقى ذكريات الزمان والمكان وأهلهما عالقة في الأذهان ، ودعت سقطرى ولسان حالي يقول : هل سنلتقي مرة أخرى ياعروس بحر العرب ؟؟؟ بل ودعت الأرخبيل وأنا أردد قول الشاعر :
ودعته وبودي لو يودعني ** صفو الحياة وأني لاأودعه
لاأكذب الله ثوب الصبر منخرق ** عني بفرقته لكن أرقعه
رزقت ملكا فلم أحسن سياسته ** وكل من لايسوس الملك يخلعه
هل الزمان معيد فيك لذتنا ** أم الليالي التي مرت وترجعه
في ذمة الله من أصبحت منزله ** وجاد غيث على مغناك يمرعه