*العاملون وأخطار المهنة*
منبر الأخبار
عبدالجبار ثابت الشهابي
مساكين هم العاملون الذين يعملون في المرافق، والمؤسسات، والمنشٱت ذات الأخطار المختلفة، ولاسيما على جهاز التنفس، فضلا عن السرطانات المختلفة عموما، والأضرار التي تلحق بالنظر، والظهر، والقدمين، وغيرها من أعضاء الجسد التي تنهك عادة، أو تتلف في سنوات الخدمة، وخصوصا خلال سنوات الشبيبة، ثم القدرة المهنية؛ التي لم يكن العامل خلالها يفكر في صحته، ولا يتوقع أن يؤول حاله إلى درجة الحاجة للناس، وفي مقدمتهم المسؤولون عما ينهض به من أنشطة العمل والبناء، والإبداع المهني المتدفق.
أقول مساكين، لأن الفرد منهم ربما يكون قد ضحى بثلثي العمر، وفجأة؛ يسقط ليحتضنه العجز والأنين، وتحفه ٱهات زملائه، وألحان رؤسائه المريضة، غالبا، المنبعجة بتقاسيم، وألوان الاصفرار، والاحمرار، المتدثرين بعباءات النفاق، والذي سرعان ماينفجر قيحا منتنا، فيتحول نفاقهم، وتصفيقهم جحودا كالليل المظلم، وينقلبون إلى مايشبه الكلاب الوحشية، فيكشرون عن أنياب لاترحم، وعقول لاتفهم، وكأنهم لم يكونوا في يوم من الأيام ينظمون مايشبه القصائد في الإشادة بأمانة، وإخلاص هذا الذي كبا به الزمان، ورمته مصيبته؛ ليغدو فجأة محط سخرية وتندر كل الكلاب المتوحشة في المؤسسة التي كان يعمل بها بروحه ودمه، وخصوصا في هذه الظروف التي انتزعت منها كل معاني الإخاء، والرحمة، والزمالة.
ومن المؤلم أن هذا الذي كان بالأمس يتقد نشاطا، وبناء، وإبداعا لتعلو مكانة هذه المؤسسة او تلك: ماليا، وتقنيا، وشهرة، وتوسعا في الأسواق، تتحول سهامها -أي المؤسسة ذاتها- باتجاه قلبه المتعب من كد السنين؛ لتقدم له مكافأة (سنمار) بكل سخاء حاتمي، وهناءة نفس، فيجتمع عليه القانونيون بكل حيلهم، والإداريون بدهائهم، والمتزلفون بشهاداتهم المزورة، الكاذبة، جميعهم لإرغامه، ولابتزازه، حتى يذبحوا كل أمل في قلبه، ويحرقوا كل حق مشرق تمسك به، ويرغموه بالترهيب والترغيب على أن يوقع على وثائق قانونية تجرده تماما من معظم حقوقه التي ينبغي أن تعطى له دون قيد او شرط، ليكون بذلك قد خسر شبابه، وصحته، وبالتالي بقية عمره، فلا يكون له من حق بعد ذلك سوى انتظار الموت الزؤام برضا، وصمت..
هذا الكلام لانقوله من باب تسويد الصفحات، ولكن من واقع يشي، بل يتحدث بلغة فصيحة، واضحة وضوح الشمس عن صفعات.. نعم صفعات.. لطالما نالت من كرامة وحقوق العاملين، وخصوصا في كثير من معامل الصناعات الحديدية، والمطابع، ومنشٱت صوامع الغلال، والمخابز، وغيرها من تلك التي لطالما تكافئ عامليها بالعجز الكلي، أو النصفي، أو الجزئي، ثم التقاعد القسري، مع الحرص على تجريد العاملين من معظم الحقوق والمستحقات، من رواتب تقاعدية، ومستحقات العلاج للحالات الناتجة عن العمل، من إصابات، وعن الأمراض التي تتسبب بها المهنة، جراء عدم الالتزام بقواعد السلامة، وما يتم بالمخالفة من رش المواد الكيميائية، والسموم، ولاسيما في صوامع الغلال، في ظل الحرص الشديد على محاربة العمل النقابي، ولاسيما في منشآت ومؤسسات القطاع الخاص.
وبوضوح تام؛ فإن قطاعا واسعا من المحالين للتقاعد الصحي، قد تعرضوا لأبشع أنواع الابتزاز، ورمت بهم مؤسسات عملهم المملوكة للقطاع الخاص، ومنها المخصخصة، دون رحمة إلى قارعة الجنون، والجوع والمذلة، وذلك بعد أن تحول كثيرون إلى أرصفة الطرق للسؤال وتكفف الناس، وخصوصا عند بوابات المساجد، التي ماعادت تقدم سوى الدعاء، ولاسيما بعد أن توارى الخيرون، وأثرهم التكافلي في ظل أوضاع البلد التي مزقتها الحرب العبثية المتواصلة منذ ثماني سنوات.
وباختصار؛ لقد صار حال الموظفين المرضى والمعاقين في القطاعات المذكورة أكثر من مأساوي، قلا نفعتهم نقابات، ولا اسندتهم قوانين بعد أن تمكن أرباب العمل من التلاعب بالجميع، بفعل تردي الوضع المعيشي، وقلة فرص العمل، وهاهم يأخذون الناس لحما، ويرمون بهم عظاما، دون حام، ودون رقيب،، ودون حسيب يحتسب.