العمل المؤسسي.. ضمانة مستقبل الجنوب
الشرعية في الجنوب اليوم لم تعد مرهونة بدساتير أو اتفاقيات تجاوزها الزمن، بل أصبحت شرعية نابعة من الانتصارات التي حققها شعب الجنوب على الأرض، ومن التضحيات الجسام التي قُدمت دفاعًا عن الهوية والكرامة. فشرعية الوحدة اليمنية ودستورها، انتهت بحرب 1994 وما لحقها من تعديلات المنتصرين، ثم المبادرة الخليجية وما تلاها، كلها سقطت تباعًا مع اجتياح الجنوب في 2015 وانقلاب قوى الحوثي في صنعاء على الجمهورية.
ومن هذا المنطلق، لم يعد الجنوب ملزمًا بشراكة شكلية مع أحزاب وقيادات كانت جزءًا أساسيًا من معاناة الجنوبيين، ورضيت بتسليم أرضها للحوثي، بينما الشعب في الجنوب صمد وقاوم وانتصر. أي شراكة تُفرض اليوم لا بد أن تُبنى على أسس جديدة، أساسها احترام إرادة الشعب الجنوبي، والإيمان بحقه في إدارة أرضه وصناعة مستقبله.
ندرك أن فض أو تصحيح هذه الشراكات سيواجه تحديات داخلية وخارجية، لكن التحدي الأكبر يكمن في قدرتنا على تقديم نموذج مختلف لإدارة الدولة: نموذج مؤسسي قائم على الشفافية ومكافحة الفساد، وإشراك الكفاءات والخبرات الجنوبية بعيدًا عن الشليلة ولوبيات النفوذ. فهذا وحده ما يعزز ثقة الداخل، ويمد الخارج بتطمينات بأن الجنوب قادر على أن يكون البديل المستقر والقوي من المهرة حتى باب المندب.
إن خسارتنا للرجال الأوفياء أصحاب المواقف المبدئية، لصالح مجموعة من المنتفعين المتقلبين، يضعف موقفنا ويهدد مستقبلنا. لذلك لا بد أن يُدار الجنوب بعقلية مؤسسية وقرارات جماعية تعكس روح الدولة، لا رغبات الأفراد.
التجربة علمتنا أن طريق العاطفة قصير، بينما طريق العمل المؤسسي طويل ومستدام. وإذا لم نحصّن مكتسباتنا بالعمل المنظم والإدارة الرشيدة، سنجد أنفسنا نخسر ما تحقق بدماء الشهداء وتضحيات الشعب. فمواجهة التحديات لا تكون بالخطابات، بل ببناء مؤسسات قوية قادرة على تحويل النصر العسكري إلى مشروع وطني شامل.
#ياسر_اليافعي