سر سوق السكاجين: حكاية قبر الجندي المجهول

سر سوق السكاجين: حكاية قبر الجندي المجهول

أحمد علي دملى بنار / تونس

في قلب المدينة العتيقة بتونس، حيث تتداخل أروقة الأسواق القديمة وتفوح منها رائحة الجلود والتوابل، وتحديدًا في سوق السكاجين النابض بالحياة، يقع قبر صغير قديم يهمس بحكايات الماضي. إنه قبرٌ يلفت انتباه كل من يمر بجانبه، ويعرفه أهل السوق باسم "قبر الجندي المجهول". ولكن، من هو هذا الشخص المدفون هنا؟ لا أحد يملك إجابة قاطعة، فالغموض يلف هذه البقعة الصغيرة، مانحًا إياها هالة من القدسية والاحترام.

تتعدد الروايات حول هوية صاحب القبر. يرجح البعض أنه جنديٌ بطل سقط دفاعًا عن الوطن في فترة عصيبة، ربما خلال حقبة الاستعمار الفرنسي، تاركًا خلفه بصمة من التضحية الصامتة. بينما يرى آخرون أنه كان رجلًا بسيطًا من أهل السوق، عاش ومات وحيدًا دون أهل أو أقارب، فتكفل به أصحاب المحلات الكرام، دافنين إياه تكريمًا لإنسانيته.

مرت سنوات طويلة، وتحول هذا القبر بمرور الزمن إلى نقطة جذب روحانية. صار الناس يحترمونه ويترددون عليه، يقرأون الفاتحة على روح من يرقد تحته، وبعضهم يضع شمعة أو باقة ورد كعربون وفاء. كثيرون يشعرون بالهدوء والسكينة بجواره، وكأن روح ذلك الشخص المجهول تبث طمأنينة في المكان. إنه شخصٌ لم نعرف اسمه، لكنه ترك أثرًا عميقًا وطيبًا في قلوب من جاوره.

تُروى قصة غريبة تعزز من قدسية هذا القبر. في إحدى المرات، حاولت السلطات أو بعض المسؤولين إزالة القبر لتنظيم المكان. لكن ما حدث كان مفاجئًا ومخيفًا؛ فقد بدأ سائل أحمر يشبه الدم بالخروج من بين حجارة القبر. انتشر الخوف بين الناس، فتراجع المسؤولون عن فكرتهم على الفور. ومنذ ذلك الحين، أصبح القبر بمثابة مزار مقدس في نظر أهل السوق، لا يجرؤ أحد على المساس به.

إلى يومنا هذا، يحرص أصحاب المحلات المجاورة على نظافة المكان حول القبر، ويمنعون أي شخص من العبث به. بل إن بعضهم يؤمن بأن القبر يجلب البركة ويحمي السوق من الشرور، وكأنه حارسٌ صامتٌ يراقب المكان.

رغم بساطته وصغر حجمه، إلا أن هذا القبر تحول إلى رمزٍ للوفاء والرحمة، واحتفاءً بمن ضحى في صمت، سواء كان جنديًا مجهولًا أم إنسانًا عاديًا فقد صار له مكانة خاصة في ذاكرة الناس، ونقش اسمه في قلب المدينة العتيقة.