خالد القحيطة.. عازف الطاسة الذي تربع عرش المناسبات الوطنية والاجتماعية في مأرب (قصة صحفية)

خالد القحيطة.. عازف الطاسة الذي تربع عرش المناسبات الوطنية والاجتماعية في مأرب (قصة صحفية)

منبر الأخبار - يمن ديلي نيوز


قصة صحفية أعدها لـ”يمن ديلي نيوز” محمد العياشي: يفتح الفنان اليمني خالد محمد صالح القحيطة قلبه لـ”يمن ديلي نيوز” ليسرد مسيرته الطويلة في خدمة الفن الشعبي اليمني، وحكاية نزوحه من محافظة ذمار إلى مأرب هربًا من تهديدات جماعة الحوثي المصنفة إرهابية، في سبيل الإبقاء على صوت “الطاسة” حيًا، ليس في الأعراس فقط وإنما أيضا بميادين استراحة المحاربين، والفعاليات العسكرية.

خالد القحيطة من مواليد عام 1982م في منطقة آنس بمحافظة ذمار، وعضو في ملتقى الفنانين اليمنيين، اضطر لمغادرة مسقط رأسه عام 2017 إثر مضايقات وتهديدات قال إنها استهدفت الفن والفنانين.

“اضطررت للنزوح إلى مأرب مع أسرتي بعد التضييق على الفن من قِبل جماعة الحوثي” يقول خالد لموقع “يمن ديلي نيوز”، مضيفًا أنه رفض التوقف عن أداء دوره في إحياء التراث اليمني.

الطاسة والبرع

عن بداياته، يقول القحيطة: بدأت أتعلم ضرب الطاسة وعمري خمس سنوات. كنت أحضر الأعراس وأراقب حركة الراقصين وضرب البرع. تعلمت أن أضرب الطاسة والمرفع معًا، وكل منهما له إيقاعه الخاص: بطيء، متوسط، سريع، أو الأكثر سرعة.

يشرح الفنان خالد القحيطة لـ”يمن ديلي نيوز” تنوع ضربات البرع اليمنية التي أتقنها، مؤكدًا أن رقصات البرع تختلف باختلاف المناطق وتقاليدها، لكن العنصر المشترك بينها جميعًا هو الطاسة التي يتقن عازفها تحديد الرقصة المناسبة لكل منطقة.

يشرح القحيطة أنواع البرع: الحيمية سريعة الإيقاع والرقص، والحاشدية متوسطة السرعة، والحرازية (أول البرعة الحرازية تليها الحلقة) وهي المفضلة لديه بضرب ورقص متوسط، والحارثية الهادئة التي تعتمد على الرقص المبترع، والهمدانية الهادئة مع حلقة كبيرة، والإبية التي تميل إلى الإيقاع الشعبي بهدوء الضرب والرقص، والمطرية متوسطة السرعة في الضرب والرقص.

ويضف واصفاً مشهد البرع الأصيل: تبدأ بقرع الطاسة، فينطلق الراقصون بأزيائهم الشعبية، تتلألأ الجنابي وتزداد سرعة الإيقاع، في مشهد يلهب حماس الحضور.

يتابع الفنان “القحيطة” متحدثاً عن مشاركاته: شاركت في كل أنواع المناسبات: الدينية، الوطنية، والاجتماعية، في محافظات مثل ذمار وصنعاء وتعز والحديدة وريمة. حضرت أكثر من 2400 عرس في تلك المحافظات، ومنذ 2017 شاركت في أكثر من 1800 عرس في مأرب وحدها.

الترويح على المحاربين

يقول الفنان “القحيطة” إنه “يعتز بمشاركته مع الأبطال البواسل من الجيش الوطني والمقاومة الشعبية”. مشيراً إلى أنه يرافقهم في “وقت استراحة المحارب عند نزولهم من جبهات الشرف والبطولة إلى المدينة (المجمع) في الاستراحات، لإحياء جلسات الطرب الشعبي ومساعدتهم على أخذ النفس والترويح عنهم”.

وأوضح أنه يستخدم الطاسة أيضا في الاحتفالات العسكرية عند تحقيق الانتصارات والتقدمات الميدانية، فيما يسميه فرحا عسكريا يشارك فيه الجنود والقادة على حد سواء.

القحيطة في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز” يقول إنه “عندما يتزوج الأبطال من الجيش الوطني أو المقاومة أخفض لهم السعر تشجيعاً وتقديراً لدورهم البطولي.

يبدي القحيطة اعتزازه أيضا بمشاركته “الدائمة في إحياء الاجواء العيدية في سكن الجرحى بمأرب بعد صلاة العيد الفطر والأضحى، ليزرع بينهم الفرح والابتسامة”.

لم يقتصر حضور الفنان على الأعراس. شارك الفنان خالد في المناسبات الدينية مثل استقبال الحجاج العائدين من مكة، وفي فقرات حفلات التخرج الجامعية، وفي إنتاج الزوامل مع فنانين آخرين.

كما حضر مناسبات وطنية مثل الأعياد الرسمية، وقَديمًا الانتخابات أثناء الدعاية وعند الفوز، وحتى ثورة 2011، حيث كان يضرب الطاسة في المسيرات والمظاهرات في صنعاء.

مواقف محرجة

خالد القحيطة لم ينس بعض المواقف الطريفة والمحرجة في مسيرته. يروي: مرة انكسر الغطاء البلاستيكي للإناء النحاسي أثناء العرس فتوقف العمل، لكن لحسن الحظ كان معي بديل في المنزل.

أما أغرب موقف، فيقول: اتصل بي أحدهم لأحضر إلى صالة العرس، وعندما بدأت بالضرب صاح الناس: هذا عزاء وليس عرسا! اتضح أن العريس نقل الصالة ولم يبلغني بالتغيير!!!.

آلات تراثية

في حديثه لـ”يمن ديلي نيوز”، يشرح الفنان خالد القحيطة تفاصيل أدواته: “الطاسة إناء نحاسي مغطى بجلد غزال، قديمًا كانت جلد غزال فقط، لكن اليوم صارت تُصنع من بلاستيك أشتريه من سوق الملح في صنعاء. لها أحجام مختلفة، وأفضلها بـ16 أو 18 مسمارًا تصدر نغمات رنانة. العصا (المقاربع) طولها بين 40 و50 سم، قديمًا من الخيزران، واليوم من البلاستيك الصيني.

أما المرفع، فهو إناء نحاسي مغطى بجلد ثور، صوته غليظ وثابت، وزنه حوالي كيلوجرامين. يعلق المرفع والطاسة على رقبة العازف بحبل، لضبط وضعيتها أثناء الأداء.

أسلوب الأداء وتنوع الطلبات

يؤكد خالد أن ضرب الطاسة يرافق العريس في جميع المراحل: عند دخوله الصالة وعند الخروج وعند وصول الضيوف، في الصالة، أثناء الأغاني الشعبية والتراثية، وحتى في جلسات التصوير.

ويضيف: في الريف نبدأ من الصباح، أما في المدينة فعادة بعد الظهر حتى قبيل العصر. ثم نستأنف بعد ذلك، وهناك مقيل وزفة، والسمرة قد تستمر حتى منتصف الليل.

كما يوضح أن الإيقاعات تتنوع لتناسب الأغاني الشعبية والتراثية، حتى الأغاني اللحجية، وأنه يحدد الضربات المطلوبة حسب طلب المغني أو الراقص.

جيل جديد يحمل الإرث

يعتز الفنان خالد بأبنائه الثلاثة. يقول: منير وفؤاد اكتسبا الموهبة باحترافية، كانا يشاركان في أعراس مأرب، وانتقلا الأسبوع الماضي إلى الرياض في السعودية لتعريف الناس هناك بالثقافة والفن اليمني. أما ابني الثالث، عمر، فيعمل معي هنا في ضرب المرفع.

لمسيرة خالد الطويلة بعض الشهادات التقديرية، منها شهادة من مكتب الثقافة بذمار، وأخرى من مكتب الثقافة في مأرب بمناسبة يوم الأغنية اليمنية.

يختم برسالتين عبر “يمن ديلي نيوز” لمحبيه قائلًا: أنتم على عيني ورأسي. أما رسالته إلى وزارة الثقافة: أن تهتم وتدعم هذا الفن ليبقى الفن اليمني الأصيل حاضرًا بقوة في المناسبات الاجتماعية وإحياء التراث اليمني.