عدن تختنق: الحرمان من الخدمات جريمة حرب لا تُغتفر
في عدن، يتساقط الناس من الجوع وسوء التغذية والحرمان من مقوّمات الحياة الإنسانية. باتوا ينامون حتى العصر ليستيقظوا على وجبة بسيطة تتبعها لقمة عشاء متواضعة. الفساد والغلاء ونهب الخيرات صار واضحًا للجميع؛ عصابات تنهش المال العام، وتشتري الأطعمة الفاخرة والسيارات الفارهة وتُسافر وتعيش حياة تُشبه حياة الأثرياء، بينما كانوا بالأمس حفاة.
لا يقتصر الموت في عدن على نقص الطعام والأدوية، بل يمتدّ ليشمل حرّ الشمس ولهيب الصيف القاسي، والإهمال المتعمَّد، وغياب أدنى مقوّمات الحياة. الناس هناك لا يموتون من الحر فقط، بل من القهر، ومن انهيار العملة الوطنية التي تهدد معيشة الشعب ،والسلم الاجتماعي ،الى جانب أن انقطاع الكهرباء، وضعف المياه، وتدهور القطاع الصحي ، ، ومن غياب الدولة في وقتٍ لا يرحم الضعفاء.
هذه الأزمة لم تعد مجرّد شكوى يومية أو حالة طارئة، بل تحوّلت إلى جريمة ممنهجة تتقاطع مع نصوص قانونية دولية واضحة تجرّم مثل هذه الأفعال.
الجريمة في نص القانون الدولي.
المادة 54 من البروتوكول الأول لاتفاقيات جنيف: تحظر استهداف مصادر بقاء المدنيين، ومنها الكهرباء والمياه، وتُعدّ ذلك جريمة حرب.
المادة 14 من البروتوكول الثاني: تُجرّم استخدام التجويع وقطع الخدمات كوسيلة حرب، وتُصنّفه جريمة حرب.
المادتان 11 و12 من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية: تضمنان حق كل إنسان في المعيشة اللائقة والرعاية الصحية والخدمات الأساسية.
نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادتان 7 و8): يعدّ حرمان السكان عمدًا من الخدمات جريمة ضد الإنسانية، خاصة إذا تمّ ضمن سياسة ممنهجة.
ميثاق الأمم المتحدة – الفصل السابع: يجيز التدخّل الدولي إذا كان هناك تهديد خطير لحياة المدنيين بشكل منهجي ومستمر.
ليس إهمالًا... بل قرار سياسي.
ما يحدث في عدن ليس تقصيرًا عابرًا، بل قرار سياسي واضح المعالم: استخدام الخدمات كورقة ضغط، وأداة لتركيع الناس وإخماد أصواتهم.
حين تتحوّل حياة المدنيين إلى وسيلة تفاوض، ويُمنع عنهم الكهرباء، ويضعف تدفّق المياه، وتغيب الأدوية أو تُباع بأسعار باهظة، فنحن أمام جريمة لا تسقط بالتقادم.
عدن ليست ورقة مساومة.
عدن ليست ساحة للمساومات ولا بطاقة على طاولة التفاوض.
هي مدينة عريقة، يسكنها بشر لهم حقوق غير قابلة للانتقاص: الحق في الحياة، والصحة، والخدمات، والأمن.
لا يجوز أن تُعامل مدينة كاملة كرهينة في صراع لا نهاية له، يدفع ثمنه المواطن البسيط من عمره وصحته وكرامته.
واجبنا: التوثيق والمطالبة والمحاسبة.
1. توثيق الانتهاكات: جمع الأدلة والصور والشهادات والتقارير حول انقطاع الخدمات وآثارها، بالأرقام والتواريخ.
2. رفع الصوت دوليًا: إيصال القضية إلى المنظمات الحقوقية، والأمم المتحدة، والمحاكم الدولية.
3. المطالبة بالمحاسبة: تقديم ملفات قانونية ضد الجهات التي تتعمّد حرمان الناس من حقوقهم والمطالبة بفتح تحقيقات ومحاسبة المسؤولين.
الختام.
ما يجري في عدن هو نتيجة قرارات سياسية مقصودة. وإذا أراد البعض لنا الصمت، فعلينا كسر هذا الصمت ورفع أصواتنا عالياً، لأن الحق لا يُستجدى… بل يُنتزع.
ولهذا، فإننا ندعو كل الناشطين الحقوقيين والمنظمات المحلية في عدن، إلى رفع شكاوى وبلاغات موثّقة إلى كل المنظمات الدولية والإقليمية المعنية، والبحث عن محامين وخبراء في القانون الدولي الإنساني لمناصرة هذا الشعب المظلوم، ورفع قضيته أمام المحاكم والمنصات الدولية ذات الصلة، حتى يسمع العالم صوت عدن، ويعلم أن ما يحدث فيها ليس أزمة خدمات... بل جريمة مكتملة الأركان.