الأعياد لم تعد فرحا، بل كوابيس تهبط علينا بثقل الجبال

لم نفق بعدُ من غيبوبة الإنهاك الرمضاني،

رمضان الذي صار موسمًا للإنفاق المضني لا للروحانيات،

وعيد الفطر الذي مرّ علينا كجنازة فرح

حتى باغتنا عيد الأضحى، طلع علينا لا كضيفٍ بهي،

بل ككابوسٍ يقبض على الأنفاس،

يطل من خلف الأبواب، قاسي الملامح ثقيل الخطى.

ثم، كأنما نُحاصر بمواسم الاستنزاف،

تبدأ الدراسة فورًا بعد اجازة عيد الاضحى مباشرة !

 خلافًا لكل بلاد الله،

كأننا لا نملك حق الاستراحة،

ولا حق التقاط الأنفاس بعد زحف الأعياد،

فمن قال إن هذا شعب؟ هذا وقودٌ حيّ يُستهلك.

التعليم عندنا لم يعد حقًا،

بل سلعة فاخرة، مطروحة في سوق سوداء،

مدارس، جامعات، كتب، دفاتر...

تنهشُ من أرواحنا قبل أرزاقنا،

ويا لقلوب الآباء، كيف تحتمل هذا اللهاث المزمن،

بين رسومٍ وأقساطٍ ومصاريف لا ترحم،

دراسة وسط قيظ الصيف ومطر الخريف،

كأننا نحارب أربعة فصول في آنٍ واحد.

العالم كله يحتفي بالعطلة،

يمنح أبناءه متسعًا للراحة،

إلا هنا، في "دويلة أعلام الهدى ومصابيح الدجى"،

حيث تُهندس الفاقة بعناية،

ويُطبخ الجوع على نارٍ هادئة،

كي يظل الناس سكارى لا من خمرٍ،

بل من فواتير تفتكهم:

كهرباءٌ تُباع كما الذهب،

ماءٌ مقطر من دمائنا،

اتصالاتٌ تُذبح بها أرواحنا،

صحةٌ لا تُمنح إلا بثمن كرامتنا،

تعليمٌ مأجور، وغازٌ لا يصل إلا بمنحة من القهر.

كل صباح أستيقظ مثقلاً كأنما قضيت الليل أقاتل،

ذهنٌ شارد، قلبٌ مغبون،

لا أحلم إلا برغيف،

ولا أُفكر إلا في كيف أملأ بطون أولادي بكسرةٍ يابسة.

انتهى زمن الطعام الرخيص،

وباتت لقمة العيش ملحمة،

نخوضها كل يوم بأسناننا لا بأحلامنا.

في بلدان العالم التى تحترم الإنسان، الماء والنار والكلأ حقٌ مشاع لجميع الناس.

أما نحن، فقد صار البديهي باهظ الثمن،

وصارت الحياة معركة شرسة على الفتات.

تخيلوا،

أنا القاضي، أسدد نصف نصف راتبي الشهري على ضرورات ثلاث:

ماءٌ للشرب والغسل: عشرون ألفًا،

غازٌ للطبخ: ست وعشرون الف،

كهرباء حكومية، مسلّعة مثل الأسلحة: عشرون الف أخرى.

مجموعها: ستة وستون ألفًا...

لأبقى حيًا لا أكثر،

نصف الراتب يذوب قبل أن ألمسه،

والنصف الآخر يتبخر في ظلال الديون.

هذه ليست حياة…

إنه مجرد بقاء على قيد الحياة،

نعيش فقط لأننا عاجزون عن الموت،

لا حيينا ولا متنا،

نقبع في منازلنا لا لسكينةٍ فيها، بل لأننا لا نملك حتى ثمن دبّة وقود تباع بسعر خيالي!

كل يومٍ يمرّ يُعدُّ إنجازًا،

إذا تنفسنا الصعداء في نهايته،

لأننا تمكّنا من شراء كسرة خبز جافة.

لا مكان في حياتنا للحاجيات أو التحسينيات،

أما الكماليات والترفيه؟

فهي أحلام فاخرة، لا يلقاها إلا من نُصبت لهم موائد السماء على الأرض،

أقلية ممتازة تعيش في بحبوحة فارهة،

تكاد تموت من الترف،

فيما نحن نموت جوعًا...

وننسحق يوميًا تحت أقدام فوارق طبقية مفزعة.

أصبح العيد حزنًا فخمًا،

كرنفالًا للتعاسة، موسمًا للبكاء المكبوت،

نتمنى أن يُلغى، أن يُمحى،

أن يصبح حلمًا منسيًا لا يزورنا أبدًا.

العيد...

لم يعد فرحًا، بل تاريخًا آخر لانكسار جديد.