" الفـساد و غـسل الأمـوال" كيف يؤثران على حياتنا اليومـية
فـي عالمنا المعاصر؛ تتأثر حياتنا اليومية بالكثير من الأنشطة التي قد لا نلاحظها، ولكنها تحمل تأثيرات كبيرة على اقتصادنا ومجتمعنا معًا.
فالجـرائم الاقتصادية؛ مثل "الفساد وغسل الأموال"، هي أكثر من مجرد عناوين في الصحف أو عبارة عن جرائم تناولتها القوانين الجنائية الخاصة فقط؛ هي في حقيقة الأمر، جرائم تلوث النظام المالي وتعرقل النمو الإقتصادي، والأمن القومي، بل وتهدد الاستقرار الإجتماعي.
ما أحـب الإشارة إليه -هنا- هو مدى تأثير هذه الأنشطة على حياتنا وأمننا، وحدوثها بطريقة قد لا نتخيلها.
فالفـساد؛ ليس مجرد قضية سياسية أو قانونية، بل هو أحد أكبر التحديات التي تؤثر على نسيج المجتمع وترابطه، ويطلق عليه "بالخيانة العظمى للحياة العامة".
فاسـتغلال المناصب العامة من قبل من عرفوا بالمسؤولين، كصورة من صور الفساد لتحقيق مكاسب شخصية، فإن ضرر ما يقمون بهِ لم يتوقف عند الجهات التي يمثلونا هؤلاء الأشخاص المتورطين -فقط- بل يمتد ليشمل كل من يعيش في هذا المجتمع.
وللتـوضيح -هنا- في" "نيجيريا" مثلاً؛ يعتبر قطاع النفط فيها أحد أكبر مصادر الفساد، فهناك بعض التقارير تشير إلى أن مليارات الدولارات قد تم تحويلها إلى حسابات شخصية من قبل مسؤولين حكوميين، فهذا الفساد لم يؤثر -فقط- على الإقتصاد النيجيري، بل أدى إلى تدهور الظروف المعيشية للمواطنين الذين يعانون من نقص الخدمات الأساسية في البلاد، على الرغم من وجود الثروات النفطية الهائلة التي يمتلكها هذا البلد.
ونـقولها صراحتًا؛ عندما تنتشر الرشوة والمحسوبية في المؤسسات الحكومية، فإنها تؤدي إلى تعطيل مشاريع التنمية وتحقيق العدالة الإجتماعية، ومعهُ تصبح الأمور على مستوى الفرد أكثر صعوبة؛ إذ يعاني المواطنون من نقص كبير في الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم، بينما يتمتع المسؤولون بتوفير هذه الخدمات لأنفسهم على حساب الآخرين.
وإلى جانب الفـساد، فإن لغـسل الأمـوال؛ الذي هو محاولة إخفاء المصدر غير القانوني للأموال، من خلال سلسلة معقدة من العمليات المالية، لجعل هذه الأموال تبدو قانونية، دور كبير في عدم استقرار الصرف والوضع الأمني وغير ذلك.
فربـما تتساءل وأنت تقرأ هذا المقال؛ بـماذا يـهمنا هـذا؟
الإجـابة هي؛ أن غـسل الأمـوال لا يقتصر أثره -فقط- على الأفراد الذي يقمون بتهريب عوائد الأموال غير المشروع عن أعين رجال القانون ومكافحة الجريمة، بل يمكن أن يؤثر على الجميع في حال عدم مكافحته ومحاسبة كل المتورطين في هذه الجرائم المالية.
فـي عام 2016م، على سبيل المثال؛ اهتز العالم من فضيحة "أموال بنما"، التي كشفت عن كيفية إستخدام الشخصيات العامة والشركات الكبرى "شركات وهمية" في بنما لغسل أموالها، فكبار القادة السياسيين ورجال الأعمال كانوا متورطين في هذه الشبكة الإجرامية.
وهـنا قد تـقول كذلك، فما الذي يعنيه هـذا بـالنسبة لنا؟
نقـول؛ إن الأمـوال التي تم غسلها استخدمت في تمويل أنشطة غير قانونية، وقد تكون اشتملت على تمويل عمليات إرهابية أو تجارة مخدرات، وهذا في حد ذاته يعرض جميع أفراد المجتمع للخطر.
وغسـل الأمـوال؛ يمكّن الأفراد الفاسدين -كذلك- من إستثمار الأموال الناتجة عن فسادهم، في مشاريع تجارية أو صفقات قانونية، مما يعزز قدرتهم على التحكم في الإقتصاد الوطني أو تمويل أنشطة إجرامية أخرى.
كما يـؤدي غسـل الأمـوال إلى الإضرار بسمعة المؤسسات المالية العاملة فى البلاد، ويجعلها أكثر عرضة للاستغلال من قبل الفاسدين، حيث يتم إستخدام تلك المؤسسات لتمرير الأموال "المشوهة" ذات المصادر غير المشروعة.
غسـل الأمـوال، من أهم النشاطات الإجرامية التي تعزز توسع نشاطات الجماعات الإجرامية في المجتمع، ويخلق بيئة غير مستقرة فيها، كون الأموال التي يتم غسلها، لا تساهم في نمو الإقتصاد الوطني بشكل صحي، بل تُستخدم بدلاً من ذلك في تمويل الفساد والجريمة المنظمة، مما يزيد من فوضى الوضع الأمني في هذا الوطن.
فـقد يظـن البعض؛ أن الجرائم الاقتصادية مثل "الفـساد وغسـل الأمـوال"، هي قضايا بعيدة عن حياتنا اليومية، لكن الحقيقة أن تأثيرها يمتد إلى حياتنا أكثر مما نعتقد.
فهـذه الأنشطة الاجرامية، تضر باقتصادنا وأمننا، وتؤدي إلى تضخم الفجوة بين الأغنياء والفقراء، وتؤثر على مستوى الخدمات العامة في الوطن.
ونـقول؛ إذا كنت تعتقد أن الفـساد هو قضية بعيدة عنك، فكر مرة أخرى، كون تأثيره قد يصل إليك مباشرة، سواءً عبر الضرائب التي تدفعها، أو الخدمات التي تتلقاها.
وغسـل الأمـوال؛ يُعد أداة هامة في بقاء الفساد على قيد الحياة، ويشكل تهديدًا خطيرًا لاستقرار الأنظمة المالية والإجتماعية .
أمـلنا أن يزداد الوعي في المجتمع، حول تأثيرات هذه الجرائم على حياتنا اليومية.
د. هـاني بن محمد القاسمي
أستاذ مشارك في القانون الجنائي المعاصر
مستشار رئيس جامعة عدن للشؤون الأكاديمية
عـدن: 16. فبراير . 2025م
.