القهر والتمييز ضد جنود تعز: قضية يتجاهلها الجميع
منذ سنوات، وما تزال محافظة تعز، تتجرع مرارة التهميش والتمييز في ظل الوضع العسكري والسياسي المأزوم.
نعم ، يعاني جنود تعز من ظلم مضاعف، ليس فقط بسبب الظروف الاقتصادية والسياسية التي يعيشونها، بل أيضا بسبب الإقصاء المتعمد لهم من جانب الجهات المسؤولة، سواء كانت الحكومة الشرعية أو القوى العسكرية التي تدعمها.
فبينما يحظى الجنود في مناطق أخرى بامتيازات مالية ورواتب بالريال السعودي، لا يزال جنود تعز يتجرعون مرارة عدم المساواة في الحقوق والواجبات.
والشاهد أنه عند النظر إلى الوضع المالي للعسكريين في مختلف المناطق العسكرية في اليمن، تتضح الفجوة الكبيرة بين الجنود في تعز وبقية المناطق.
ففي المنطقة العسكرية السابعة والسادسة، يحصل الجنود على ما يسمى بـ "الإكرامية" التي تضمن لهم راتبا إضافيا، وفي المنطقة العسكرية الخامسة والرابعة، يتلقى الجنود رواتب بالريال السعودي، بالإضافة إلى الإكراميات التي تأتي شهريا، فيما توفر هذه الإكراميات لهم بعض الراحة المالية في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها اليمن.
لكن الواقع في تعز يختلف تماما. هنا، لا يتمتع الجنود بأي شكل من أشكال الإكرامية أو الرواتب المنتظمة. بل يتلقون رواتبهم وفقا للريال اليمني، وهي مبالغ زهيدة، لا تكاد تفي بمتطلبات الحياة اليومية، ناهيك عن تغطية احتياجاتهم العسكرية. فكيف يمكن للجنود في تعز أن يؤدوا واجبهم الوطني في مثل هذه الظروف القاسية؟ وكيف يُتوقع منهم الصمود والقتال بينما يعانون من تدهور معيشتهم بسبب التمييز والحرمان؟
على أن ما يثير القلق بشكل خاص هو التواطؤ الواضح من قبل بعض القوى العسكرية والسياسية في الحكومة الشرعية، التي تتجاهل عمدا منح الجنود في تعز حقوقهم الأساسية. ففي الوقت الذي يحصل فيه الجنود في الجنوب وعلى جبهات الساحل الغربي، بما فيهم قوات درع الوطن، على رواتب بالريال السعودي، يجد جنود تعز أنفسهم في وضع بائس، حيث لا يتجاوز راتب الجندي 50 ألف ريال يمني، وهي قيمة ضئيلة جدا ولا تكاد تكفي لتلبية احتياجاته الأساسية.
والشاهد أن هذا التفاوت ليس فقط ماليا، بل يتعداه إلى نوعية الدعم العسكري، حيث يتم تزويد الجنود في بعض الجبهات بأسلحة وعتاد عسكري متقدم، في حين تُحرم تعز من هذه المعدات الأساسية، ما يضع الجنود في وضع دفاعي، ويزيد من صعوبة مهامهم في مواجهة العدو.
بمعنى أدق فإن ما يعانيه الجنود في تعز ليس مجرد مشكلة مالية، بل هو جزء من معاناة أكبر تتعلق بمفهوم العدالة والمساواة في الجيش الوطني اليمني.
نعم، كيف يمكن الحديث عن توحيد الصفوف والمصالحة الوطنية في ظل هذا التمييز؟ كيف يتوقع من الجيش أن يكون قويا ومتحدا في ظل هذه الفجوات الكبيرة بين الجنود في المناطق المختلفة؟
بل إن المعاملة الجائرة لجنود تعز لا تقتصر على الرواتب فقط، كونها تمتد إلى التهميش في عملية اتخاذ القرار العسكري، وعدم توفير الدعم اللوجستي الكافي لهم.
والأهم من ذلك، أن هذه السياسات تساهم في خلق بيئة من التوتر والعداوة بين الجنود أنفسهم، مما يضعف الروح المعنوية ويؤثر سلبا على أدائهم العسكري.
فعندما يشعر الجندي في تعز أنه مهمش وغير مدعوم بالمقدار ذاته الذي يحصل عليه الجنود في المناطق الأخرى، فإن ذلك يخلق إحساسا بالقهر والإحباط، وقد يدفعه إلى التمرد على القيادات العسكرية أو رفض تنفيذ الأوامر.
والواقع إن اللوم يجب أن يوجه إلى القيادة العسكرية والسياسية التي لم تتخذ الخطوات الضرورية لتصحيح هذا الوضع.
ثم إن جنود تعز ليسوا مجرد أرقام في الجيش اليمني، بل هم أبناء هذه الأرض الذين قاوموا وقاتلوا من أجل حريتها تحت أصعب الظروف.
لذا من حقهم أن يحصلوا على رواتب عادلة، وأن يتم توفير كل ما يحتاجونه من تسليح ودعم معنوي.
أما إذا كانت القيادة تدعي أنها تعمل من أجل مصلحة اليمن والشعب، فإن أول خطوة يجب أن تكون توحيد رواتب الجنود، وتوفير الدعم المتساوي للجميع في مختلف الجبهات، بدءا من تعز.
من هنا فإن جنود تعز هم أبطال، ضحوا بكل شيء من أجل الوطن، ومن العار أن يتم معاملتهم بهذه الطريقة غير الإنسانية
. فتعز ليست مجرد جزء من اليمن، بل هي رأس الجمهورية ودرعها الحامي.
و إذا كان من جدية في العمل على استعادة الدولة وتوحيد الصف الوطني، فإن ذلك يجب أن يبدأ بتوحيد حقوق الجنود وتوفير الدعم الكافي لهم.
بل لن تستقر اليمن ما لم يتم تحقيق العدالة لجميع أبناء الوطن، ومن بينهم جنود تعز الذين يجب أن يُعاملوا بما يليق بتضحياتهم.
فيما التمييز ضد جنود تعز يمثل وصمة عار في جبين كل من يشارك في هذه السياسات القاهرة، ويجب أن يُعاد النظر فيها فورا.