لم تعد القيم ، هيَّ الأساس .
منبر الأخبار
سعيد المعمري ..
أعتقد بأم الحديث ، عن القيم أو الأخلاق ، أو المبادئ ، في الوقت الراهن أم في مرحلة ما ، من حياة البشرية ، قد يعود بنا حديث كهذا ، إلى حُقب زمنية بعيدة ، لأن مسألة كهذه ، هي في حد ذاتها هامة وحساسة .
ولذلك حال ما يتم التطرق إليها ، ينبغي أن نكون منصفين في حديثنا لها ، لإن أموراً كهذه يستوجب التطرق لها بموضوعية ، وبنوع من الشفافية المطلقة ، سيما في مثل هذه الظروف التي نعيشها ، في الوقت الحاضر ، حيث أضحت سلوكيات الناس رديئة وسيئة للغاية ، بقدر ما نلاحظ بأن التعاطي مع هذه المفاهيم تكاد تكون مغيبة ، إن لم تكن غير موجودة للبته .
وأن سادت أو وجدت في مرحلة ، أو حقبة زمنية معينة ، فأمر كهذا يعود لظروف وخصائص ذلك المجتمع الذي كان يتعاطى وفق معطيات ذلك الواقع الذي يعيش فيه ، حيث لم يكن قد طرأت عليه مفاهيم مغلوطة ملوثة ، وإنما كانت هنالك تعاملات راقية ، وغير سيئة بين الناس ، ولذلك ظل الإنسان على هذا النحو ، لفترة غير قصيرة من حياته ، في تلك الأزمنة البعيدة ، الأمر الذي كان له اثره البالغ في وسط تلك المجتمعات الإنسانية، والتي كان لها بأن تنسج أو تخلق علاقات متينة فيما بينها أبان تلك الفترات الماضية ، من حياة البشرية ، وبالرغم من الظروف التي كانت تعانيها في جوانب عديدة ، ولكن مع هذا فقد تمكنت بأن تصل إلى مراحل متقدمة ، من حياتها وأوضاعها ، الإجتماعية ، والإقتصادية ، والسياسية ، والفكرية ، والعلمية ، وغيره .
وهذا ما نشاهده اليوم ، على مستوى تلك المجتمعات ، حيث بلغت إلى درجة كبيرة ، من التطور ، في كافة جوانبها الحياتية الإنسانية ، بينما نحن لم نستطع مجاراة تلك المجتمعات ، نتيجة لتخلينا عن كثير من الأمور ، التي كان ينبغي التعاطي معها ، من واقع سلوكياتنا ، ومفاهيمنا القيمية ، الدينية الإنسانية .
الأمر الذي جعلنا أن نعود إلى الخلف خطوات كبيرة ، وهذا ما ترتب عليه إنعكاسات سلبية ، غير عادية في نهاية المطاف ، وهذا ما نشهده اليوم ، من إنفصام على مستوى واقع حياتنا ، حيث لم يعد هنالك ما يمكن الحديث عنه ، في أمور كهذه ، وبالذات حال ما نرى لواقع بلادنا ، الذي أضحى يعاني الكثير من التشوهات ، جراء دخول مفاهيم مغلوطة ، على سلوكياته القيمية ، وعاداته الإجتماعية ، لا تتسم بالموضوعية ، أو الشفافية ، وإنما نقدر أن نقول عنها منافية لإخلاق وقيم ، ومبادئ الناس ، وهنا تكمن المشكلة ..؟
إنما أقدر أقول بأن أموراً كهذه ، ربما تكاد أنتهت ، ولم يعد لها مكان في وسط الآخرين ، والذين كان يفترض منهم أن يتحلوا بتلك القيم الإنسانية النبيلة ، لكونها من المسائل الهامة ، في حياة الفرد ، والمجتمع ، والأمة بشكل عام ، ولكن للأسف ، لقد تغيرت الأحوال ، وتكاد أخذت منحى آخر ، عن ما كان ينبغي أن تكون عليه ، وهو التعاطي مع تلك القيم والإخلاق والمبادئ ، ولكن الكثير من أولئك البشر أخذوا مساراً آخر ، وبعيداً عن تلك السلوكيات القيمية الراقية ، والتعامل بطرق أخرى ، غير سوية ، وهي التحايل ، واللف والدوران ، وكذا النصب ، والإحتيال ، على مؤسسات الدولة ، ومرافقها ، ومؤسساتها المختلفة ، الأمر الذي جعل العديد من أولئك البني آدمين ، أن يصلوا إلى مراتب عليا ، ليس بشهاداتهم العلمية ، أو بتدرجاتهم الوظيفية ، وإنما بطرق إلتوائية خبيثة ، وبدسائس مقيته .
بقدر ما جاء هؤلاء في الأساس ، من أدنى المستويات الإجتماعية ، ولكن بحكم إرتباطهم بالأجهزة الأمنية وغيره ، فقد مكنهم من أن يتبواؤا مناصباً ، ويصبحوا من أصحاب الذوات ، والباشاوات ، ناهيك عن إمتلاكهم للمال ، والبيوت ، والسيارات ، والأرصدة البنكية التي تنهب من أنين الغلابى وهكذا ، بينما الآخرون لا يمتلكون شيئاً ، من هذا كله ، فأي معايير هذه .؟
وأين نحن من ذاك العالم الآخر ، الذي وصل إلى مستويات كبيرة ، من التطور والرقي ، في كافة مجالاته العلمية ، والتكنولوجية المختلفة ، وأمر كهذا يعود لإحترامه للإنسان ، وفكره ، وعمله ، وعقله ، وتخصصه ، ناهيك عن عدم تخليه عن قيمه الإجتماعية ، وكذا الإخلاقية ، ومبادئه الإنسانية.