رحلتي في أرخبيل سقطرى 3

رحلتي في أرخبيل سقطرى 3

منبر الأخبار

 

بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي

  في اليوم الثالث قمنا بجولة صباحية لزيارة بعض مدارس الأرخبيل الأساسية والثانوية الحكومية والأهلية  ؛ لنرصد عن كثب أحوال النشء العلمية والاطمئنان على مستقبلهم الحقيقي ، فوجدنا النماذج التي زرناها في وضع علمي جيد ، يبعث الأمل ويبشر بالخير  ، ومن خلال توجيه بعض الأسئلة لأحد القائمين على مدرسة حكومية للتعليم الثانوي ، أجاب إن ماترونه وتلمسونه من زخم علمي واعد ، وإقبال كبير للطلاب  والطالبات ، وتنوع أعضاء الهيئة التعليمية (إذ تجدهم خليطا من الكفاءات اليمنية والعربية) ، إنما هو بفضل الدعم اللامحدود من بعض الأشقاء ، وإذا ماتوقف هذا الدعم _لاسمح الله_ ذات يوم  ، ربما تصبح هذه المؤسسات العلمية العامرة معطلة أو شبه معطلة .... تناولنا وجبة الغداء على شرف سفير المحبة والسلام المهندس إياد اللحجي ، ذلك الشاب الذي ماإن تنظر إليه حتى تقرأ النجاح في شخصه ، والإخلاص في عمله ، انطلقنا برفقته غربا على طريق مرصوف ، قيل لنا إنه يصل إلى مديرية قلنسية ، وفي الطريق بعد أن خرجنا من عاصمة المحافظة حديبو ، تستقبلنا قرية صغيرة ، عدد بيوتاتها حوالي عشرة أو يزيدون ، تسمى ديحم ، وبعد وقت من السير على ذلك الطريق المرصوف الممتد على أرض مستوية ، ترافقنا فيه أشجار صغيرة من الجانبين على اليمين وعلى الشمال ، استوقفت سائق المركبة ، ونزلت في عجالة لأخذ قبضة من تلك الأشجار التي لاترتفع عن سطح الأرض وتنبسط على دائرة نصف قطرها من عشرة سنتمترات إلى عشرين تقريبا ، عدت بالقبضة ووضعتها على أنفي لأشتم رائحتها ، وإذا برائحة طيبة تنبعث منها لاتختلف عن رائحة أشجار الريحان التي نزرعها ونتعهدها بتوفير الماء والضوء والهواء في حدائق منازلنا المدنية وفي حوائط منازلنا القروية ، وبعد وقت غير طويل تعترضنا قرية أخرى ، اسمها علامة ، ما إن ننتهي من آخر منزل فيها حتى يلتصق بطريقنا طريق مرصوف آخر ، يشكل مع طريق قلنسية مايشبه حرف T ، غير أنه يتجه جنوبا هذه المرة ، نودع مسارنا الغربي ونذهب في هذا الطريق جنوبا ، نحو بضعة كيلومترات ، وإذا بهضبة تبتسم نحونا بمبسم أبيض كأنه الأقحوان ، لون أحجارها بيضاء وكذلك ترابها ، وهي تعتلينا بما لايقل عن ألف وخمسمائة متر تقريبا ، يتلوى فيها الطريق المرصوف كأنه أفعى ، لكن تلك الانحدارات والمنحنيات لاتشكل خطرا  كما هو الحال في بعض الطرق الجبلية ، تنتشر على مساحة الهضبة أشجار العدن التي مفردها عدنة ، ويسمونها في الأرخبيل ثريمو  ، وهي ذات الجسم الممتلئ ، كأنها مصابة بداء السمنة أو بداء الفيل ، والرأس الخالي من الأغصان والأوراق إلا ماكان من بضع وريقات تتربع أعلى رأسها ، فضلا عن العشب الأخضر الذي يكسو الهضبة والأشجار الصغيرة ذات الرائحة الطيبة التي قد مال اخضرارها نحو الاصفرار ، وأصابها الإعياء جراء فراق الغيث ، ظل يرافقنا في الطريق حُزم من الحطب ، تارة تكون تلك الحُزم مرصوصة على يمين الطريق ، وتصطف على شماله في تارات أخر ، حلقت بخيالي قليلا عند ذلك ، فتذكرت أن بعض قرى الصبيحة تقتات أيضا على بيع حُزم من الحطب تشبه تلك الحزم المصفوفة على حافتي الطريق في هضبة دكسم ، لكنها في أرض الصبيحة لاتكون على قارعة الطريق ، بل توضع بالقرب من الطريق وفي مرمى بصر منزل الحطاب ، فسألت رفيقنا عارف السقطري ، لا أرى قُرى أو منازل قريبة من حُزم الحطب تلك ، فكيف يعثر على مالكها المشتري ؟ وكيف يأمن مالكها من سرقة المارة ؟ فقال : مازال القوم هنا يقدسون الأمانة ويحترمون حقوق الآخرين ، ويفون بالعهد إذا ماعاهدوا ، ولايخلفون الوعد إذا ماوعدوا ، بل تجدهم بالقليل يقتنعون ، وفي الكثير لايطمعون ، قلتُ كفى أيها الفتى السقطري ، حقا إنكم مازلتم في هذا الأرخبيل النائي عربا أقحاحا ، لكم من الشيم والقيم والأخلاق ماعرفتها القبيلة العربية الأصيلة وأقرها الإسلام........ أخي القارئ انتظرنا سوف نستكمل حديث رحلتنا على هضبة دكسم في سردية أخرى ......