‏الرحيل عن الجنة - ‏رحيل عن البحث عن الخلود . خلود الزمن والذكريات .

‏الرحيل عن الجنة -   ‏رحيل عن البحث عن الخلود . خلود الزمن والذكريات .

منبر الأخبار

 

سيف المثنى

خلود الانسان. لطالما استحضرت روح الكاتب في أي كتاب أو رواية أقرأ. لكن كتاب الرحيل . تقمصت فيه الكاتب . فصرت الصحفي الثائر في وجه التلوث السياسي والمطارد .

‏* لعل صفة «التوثيق المرحلي» هي الأشد ملاءمة للإحاطة بهذا الكتاب، المتعدد المداخل والمخارج، بل المتعدد الخيوط والوقائع والحكايات والكواليس. إنه كتاب ثلاثة أجيال أو أربعة بالأحرى .

‏يستحيل الوقوف فعلاً على ما يحفل به الكتاب من أحداث ووقائع وتواريخ شهدها قرن مضى ومطلع قرن راهن . فالكتاب أشبه بارشيف أو سجل حيّ للعناوين التي صنعت الوضع اليمني  المنصرم وأبرزها ثورة فبراير وتلاها الانقلاب الحوثي والحرب التي أضحت حروباً، عطفاً على التحوّلات التي شهدها اليمن ومآسي التهجير والنزوح، وقضية الهجرة التي ابتلعت عائلات وأفراداً... 

‏لكن الكاتب يمرّ على هذه العناوين برشاقة فلا يقع في شرك التفاصيل التي باتت معلومة ومستهلكة، بل هو يحبكها داخل النسيج الروائي الذي يظل مفتوحاً . أما الخيط الذي جمع بين الحكايات فظل معقوداً وعقدته هي السر الكامن في “ مفتاح العودة والخلود”!

‏* كتاب الرحيل ..  يطرح التساؤلات عن نبوءة داخله، إذ إن أجواء الحرب و"الهويات القاتلة" وتداخل العلاقات  الإقليمية ، يعدّ نبوءة روائية للمشهد المتكرر الذي يقع حاليا في المنطقة بوجهه الدموي والعنيف .* ولم يترك أحمد الشلفي شاردة تفوته أياً كان أثرها، فبدا الكتاب أشبه بالرواية  على صغر حجمه مقارنة بالروايات الفائضة... أسماء وأشخاص وأماكن وتواريخ وتفاصيل، آباء وأبناء وأحفاد، عادات وطقوس، وأحداث لا تنتهي وإن كانت هامشية أحياناً... ولعل هذا  في السرد الذي قصده المؤلف هو الذي منح هذا الكتاب فرادته. ولم يدع الكاتب شخصية إلا ساقها إلى «الشهادة»  أيّن كان ذلك الشخص صديق أو عدو حاكم أو معارض وحتى مستقل الرأي.. 

‏*لم يغفل الكاتب الحديث عن النساء اليمنيات اللاتي صنعنّ التاريخ اليمني . توكل كرمان مثلاً ! وعن السخرية الصفراء العبثية والسافرة  التي انهالت عليها والتي لا تهاب المحرمات. سامية الأغبري والاعتداء عليها من قبل بلاطجة النظام . أفراح الأكحلي وبشرى حسين اللآتي كنّ سببًا في إظهار قُبح النظام والذي حينها تجاوز العادات والتقاليد وحتى الدينّ في سجن إمرأة ٍ يمنية كحالة سياسية ! لكنه لم يغفل ما يتميز به اليمنيون عن رقة القلوب اللحظية والتعاطف الذي يلازمنا أوقاتاً ثم يعود لسيرته الأولي . وهذا ما حدث مع توكل عند فوزها بجائزة نوبل للسلام .

‏*تحدث عن إخفاقات الثورة وتسلق الأحزاب وضياع الحامل السياسي والثوري بين هذه الأطماع التي غفل عنها الشباب . وكأنه يقول كما قال " مارتن لوثر كينج " في أحد خطاباته والذي حمل عنوان ( البقاء مستيقظًا خلال الثورة ) 

‏*لم يغفل الكاتب عن الحديث العاطفي الإنساني والقيمي أيضًا " بداية من قريته ووالده الذي اختلف معه ولم يخالفه ! تعز الحالمة ؛حملها في قلبه وكتبه في نسيج حرفه . أصدقاء الطفولة والنهضة الثقافية وأصدقاء الثورة والعمل . عن أسرته الخائفة من خبر سيء يقول به شخص سوء . 

‏الجزيرة صانعة الأحداث والتي تجعلك تحضر الحدث لا تنتظره ، فالانتظار هو الشَّعرة التي تقصم ظهر البعير، ويؤدي بالممكن إلى جرف هار، ويجعل من تسارع لحظة الفعل وردة الفعل حالة روتينية، فصنعت الجزيرة أحداثًا كأحمد الشلفي والذي صار حدثًا وحديثًا من قبل ألسنة حادة القذف محدوة الأجر . وجعلت من الشعوب نفسها صانعة للحدث، ولم تكتف بأن تظل في دائرة الانتظار، فلن يملك المُستبد لأي أدوات للتنفيذ تحت وطأة هدير الشارع، الذي سيعمل بدوره على أن ينحاز صنّاع القرار العربي والعالمي إلى شارعهم ..جوازه الذي أحتجز من قبل نظام مارس الانتظار والقمع والظلم والفساد والابتزاز وسَلك مسلك المراوغة والرقص والدفع والتدافع ، والكذب ونُكران الجميل ؛ مما سهل له الحكم طوال تلك الفترة وعلى ذلك الحال . فالرحيل عن الجنةّ وثيقة تاريخية وحكاية إنسانية وعاطفية شعرية . قد يحتاج كتاب «الرحيل عن الجنة » إلى مقاربة أشمل وأوسع تبعاً لمادته الروائية الغنية، فالتفاصيل، حتى التفاصيل الصغيرة التي يعج بها، تستحق أن تقرأ وتستعاد نظراً إلى ما تمثل من أهمية سرداً وتأويلاً.