سقطرى ومبدار تشابه في النبات والطيور

سقطرى ومبدار تشابه في النبات والطيور

منبر الأخبار

 

بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي

   لقد ولدت في المضاربة وقضيت بضع سنوات من طفولتي في أحضان جبل مبدار الذي يطل على المضاربة من الجهة الشمالية ، رعيت فيه الأغنام لأكثر من عام ، يمتد ذلك الجبل في خط متواز مع المضاربة من الشرق نحو الغرب ، تقطعه عرضا سيرا على الأقدام خلال ثلاث ساعات من الوقت ، هذا إذا كنت شابا قوي البنية قد اعتدت السير راجلا لمسافات طويلة ، أما إذا كان الراجل شيخا مسنا أو شابا هزيلا أو امرأة فالأمر غير ذلك ، وإذا ماأردت قطعه طولا ، فإن السير عليه راجلا من شرقه إلى غربه ، قد يكلفك نهارا كاملا أو ينقص قليلا ، إذا مانظرت إلى الجبل يأخذك الظن إلى أنه جبل واحد ، سوف تصعد إلى قمته ، ثم تنزل من القمة إلى القاعدة من الجهة الأخرى ، وبذلك تكون قد انتهيت منه ، لكن الأمر مختلف جدا ، فأنت بوصولك إلى القمة تتفاجأ بسلسلة جبلية متوازية ، لايستطيع النظر الإلمام بها أو الوصول إلى نهايتها ، تتخللها الأودية العميقة ، والدخول المروعة - جمع دخل - والهيوج الفاغرة - جمع هيجة - واللصاب المظلمة - جمع لصبة ، يكتسي الجبل حلة خضراء ، لاسيما في مواسم نزول الأمطار ، فيه من الأشجار الغريبة والعجيبة مالم أجد بعضه في جزيرة سقطرى ، وكذلك من الطيور الملونة الأرياش والمناقير مالم أعثر على بعضها في سقطرى ؛ لكن الأمر بالنسبة للطيور فيه نظر ؛ لأن رحلتي في سقطرى كانت لأسبوع من الزمن فقط ، وهناك بعض الطيور ربما لم تكن متواجدة في المكان الواحد طول العام ، لكنها تتواجد في فصل من فصول السنة ثم تختفي بعد ذلك إلى أن تراها مرة أخرى في الفصل نفسه ... نبدأ بالنبات أو الأشجار ؛ وجدت في سقطرى شجرة اللبان التي كانت ذات يوم في الزمن الغابر تمثل ركيزة مع غيرها من الأشجار التجارية من ركائز الاقتصاد اليمني ، لكن ليس لها وجود في جبل مبدار ، كذلك في سقطرى شجرة النخيل ، وبأعداد هائلة ، يصعب على الزائر عدها أو إحصاءها ، ويلاحظ أن المواطن السقطري يوليها اهتماما كبيرا ، وتوجد أيضا شجرة النخيل في جبل مبدار ، لكن بأعداد أقل ، ولاتحظى بأي عناية أو اهتمام لاسيما في زمننا الراهن ، ومن أشجار الجزيرة ؛ شجرة دم الأخوين التي تعد عروس سقطرى ، فضلا عن ارتباطها الأسطوري بحكاية ابني آدم - عليه السلام - قابيل وهابيل ، وفي جبل مبدار توجد الشجرة نفسها ، أو من الفصيلة نفسها - أنا لست عالم نبات ولامتخصص في الأمر ذاته - لكنني أكاد أجزم أنها الشجرة نفسها أي شجرة دم الأخوين ، غير أنها في الجزيرة قد حظيت بكثير من الشهرة ، ومثله من الاهتمام ، أما في الجبل فإنها تشكو من التجاهل وعدم الاهتمام فضلا عن قطعها والتنكيل بها على مدار العام ؛ لأن المواطن يجهل قيمتها ، إذ يرى أنها لاتنتج شيئا يفيد منه ؛ لذلك يصنع منها أخشابا لسقف بعض المنازل أو جباحا لخلايا النحل ، أما من حيث الاسم فإنهم يسمونها في جبل مبدار أمنيس - بفتح الألف وسكون الميم وكسر النون وفتح الياء - ومفردها نيسة ، وفي الجزيرة شجرة السبرا - بتضعيف السين وكسره - كما يسمونها ، لكنها أكثر اطمئنانا ، وتحيا حياة رغيدة ، إذ يبدو ذلك في ارتفاعها عن الأرض الذي يصل إلى المتر أو يزيد قليلا ، فضلا عن سوقها السميكة ، وأوراقها الأكثر اخضرارا إذا ماقورنت بالشجرة نفسها التي تقطن جبل مبدار إذ تقرأ من هزالها وضعفها المعاناة وعدم الشعور بالراحة والاطمئنان ، فضلا عن اختلاف المسمى ، إذ يسمونها في الجبل البكاء - بفتح الباء وتضعيف الكاف وفتحه - والمفرد منها بكاءة ، تستخدم دواء لوقف النزيف القليل وتجفيف الجرح ، وللغرض نفسه تستخدم في الجزيرة …

   أخي القارئ انتظرني في سردية أخرى