“التهميش السياسي لتهامة: تغييب ممنهج لأبنائها عن المشهد اليمني”..
كتب / عبدالجبار سلمان ...
تهامة، المنطقة الساحلية الواقعة في غرب اليمن، تُعَد من أعرق وأهم المناطق في البلاد، سواء من حيث التاريخ أو الجغرافيا. فهي تمتد على طول السهل الساحلي الذي يواجه البحر الأحمر، وتضم العديد من المدن الرئيسية مثل الحديدة، التي تعتبر ميناءً استراتيجياً، إلى جانب مناطق أخرى غنية بالموارد الزراعية والثروات البحرية...
وعلى الرغم من هذه الأهمية، إلا أن تهامة وأبناءها يعانون من تهميش ممنهج في المشهد السياسي اليمني، وهو أمر واضح من غياب أي شخصية من تهامة عن المناصب العليا سواء في مجلس القيادة الرئاسي أو في الحقائب الوزارية أو المناصب الحكومية العليا. يعود تغييب تهامة عن المشهد السياسي إلى أسباب متعددة، لعل أبرزها التركيبة السياسية المعقدة في اليمن التي تهيمن عليها صراعات النفوذ بين القوى التقليدية الشمالية والجنوبية. بعد الثورة اليمنية، والصراعات المتتالية بين التيارات المختلفة، برزت مناطق معينة في المشهد السياسي خصوصاً المناطق ذات الغالبية الزيدية ( الهضبة الزيدية)، بينما بقيت تهامة على هامش الأحداث، سواء بسبب ضعف البنية التنظيمية السياسية المحلية، أو نتيجة الاستغلال الاقتصادي والسياسي المستمر من القوى المركزية..
منذ قيام الجمهورية اليمنية، واجهت تهامة وأبناؤها شكلاً من أشكال الإقصاء التاريخي. ففي حين حظيت بعض المناطق بنفوذ سياسي وثقافي، ظلت تهامة تتعرض للإهمال على الرغم من أهميتها الاستراتيجية والاقتصادية. وتم تقويض فرص المشاركة السياسية لأبناء المنطقة تحت ذريعة قلة التنظيم أو عدم الفعالية السياسية، وهي حجج تتنافى مع الواقع...
تعاني تهامة أيضاً من أزمات اقتصادية متفاقمة، ما زاد من تهميشها السياسي. الفقر والبطالة والنقص في الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم تفاقم من معاناة سكان المنطقة، مما يجعلهم أقل قدرة على تشكيل تيارات سياسية مؤثرة. في الوقت نفسه، تم استغلال موارد المنطقة من قبل النخب السياسية المركزية دون إعادة استثمار حقيقي فيها. في سياق تكوين مجلس القيادة الرئاسي أو تشكيل الحكومة اليمنية..
نلاحظ أن تهامة لا تحظى بأي تمثيل ملحوظ. هذا الغياب لا يعكس فقط تجاهلاً للمطالب الشعبية لأبناء المنطقة، بل يعزز فكرة أن التهميش هو سياسة ممنهجة ضد هذه المنطقة. ومن خلال عدم تعيين أي شخصية من أبناء تهامة في المناصب السيادية، يتم حرمانهم من حقهم الطبيعي في المشاركة في صناعة القرار. يؤدي التهميش السياسي لأبناء تهامة إلى تداعيات خطيرة على المستوى الوطني. أولاً، يعزز هذا الإقصاء من شعور الاستياء والغضب بين أبناء المنطقة، مما قد يدفع بعضهم نحو الانضمام إلى التيارات المتطرفة أو المعارضة المسلحة مثل مليشيا الحوثي. ثانياً، يؤدي عدم إشراك تهامة في العملية السياسية إلى تعميق الانقسامات الداخلية في البلاد، مما يجعل من الصعب تحقيق وحدة وطنية حقيقية. ثالثاً، استبعاد المنطقة من أي تخطيط حكومي مستقبلي يفاقم من الفجوة التنموية بينها وبين باقي مناطق اليمن، مما يجعل من إعادة بناء اليمن بعد الحرب أمراً أكثر تعقيداً. لتحقيق العدالة السياسية والاجتماعية لأبناء تهامة..
يجب على القيادة اليمنية الحالية والمستقبلية اتخاذ خطوات حقيقية لإشراك أبناء المنطقة في صناعة القرار. يمكن البدء بإعطاء أبناء تهامة تمثيلاً سياسياً في الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي، وتخصيص مقاعد لهم في البرلمان والمجالس المحلية. كما يجب العمل على تحسين البنية التحتية في المنطقة، وتوفير فرص التعليم والتوظيف لأبنائها. هذا بالإضافة إلى فتح المجال أمام أبناء تهامة للمشاركة في القوات المسلحة والأجهزة الأمنية، لخلق توازن حقيقي في القوى..
ختاماً إن التهميش المتعمد لتهامة وأبنائها عن المشهد السياسي اليمني هو ظاهرة مستمرة منذ عقود، تحتاج إلى معالجة فورية لتحقيق التوازن السياسي والتنمية الشاملة في اليمن. بغير ذلك، سيظل الوضع في تهامة مصدر توتر واستياء، مما يهدد مستقبل البلاد ويعوق عملية السلام والاستقرار. فتح المجال أمام أبناء تهامة للمشاركة في السياسة والاقتصاد هو ضرورة ملحة لبناء يمن قوي ومتحد...