مخيمات النازحين… معاناة لا تنتهي
منبر الاخبار: خاص
الصحفيه / مها المسني.
"ام شهد" اربعينية نازحة في مخيم عمار بن ياسر، تعافر الحياة ومشقتها في محاولة منها لإطعام بناتها الثلاث، تذهب كل يوم للعمل في احد المنازل لتوفير لقمة العيش لاسرتها، ومع ان راتبها الشهري بالكاد يوفر الاساسيات لها ولبناتها غير انها تعول والدتها المريضة بداء السكري ووالدها الكهل الذي يعاني من امراض القلب والضغط وعدد من امراض الشيخوخة. تقول ام شهد ان حالة والديها الصحية تتدهور يوما بعد اخر فليس باستطاعتها شراء الادوية وتوفيرها، وجل ما تقدر عليه رعايتهما وخدمتهما والتألم لحالهما المأساوي.
وفي الخيمة المجاورة لها وجع اخر حيث يتقطع قلب "ام محمد" على طفلها ذو العام والنصف المصاب بورم في رأسه لم تعرف ماهيته بعد، وليس بمقدورها وزوجها توفير تكاليف السفر الى الخارج لاجراء الفحوصات والتحاليل اللازمة بحسب توصية الاطباء، وهكذا الحال على امتداد المخيم ففي كل خيمة الآم ومعاناة ومع كل نازح قصص واوجاع لا تنتهي.
يقع مخيم عمار بن ياسر في مديرية دار سعد بمدينة عدن ويضم اكثر من ٤٤٠ اسرة يعيشون اوضاعا بائسة في خيام مهترئة انهكتها حرارة الشمس واصبحت غير قادرة على حمايتهم من الغبار والعواصف الترابية او التصدي لأشعة الشمس الحارقة، ناهيك عن انعدام الكهرباء في هذه المخيمات التي تتجاوز درجة الحرارة فيها بفصل الصيف ٤٥ درجة، ويتمنون توفير ابسط وسائل التهوية والبرودة على الاقل لتخفيف المعاناة عن الاطفال والمرضى وكبار السن.
ليست الكهرباء وحدها ما يبحث عنه النازحون هنا فالمياه ايضا شبه منعدمة الا ما يقدمه فاعلو الخير لتوفير مياه الشرب وتعبئة الخزانات الخاصة بها واليها يهرع الجميع، والحال كذلك للصرف الصحي، فقد تكفلت احدى المنظمات ببناء عدد من الحمامات للنساء واخرى للرجال الا ان انعدام المياه فيها ادى الى خرابها واغلاقها الامر الذي ضاعف معاناة النازحين هنا خصوصا النساء.
المواصلات والطريق مشقة اخرى يعاني منها سكان المخيم حيث يمشون على الاقدام لمسافة طويلة حتى يصلوا الى الطريق ووسائل النقل، وتزيد المشقة اكثر في حالة مرض احدهم واضطره المرض للذهاب الى المستشفى.
حياة مزرية يعيشها النازحون هنا، في ظل غياب ادنى الاحتياجات الانسانية والادمية لنازحين تركوا منازلهم وممتلكاتهم واستقرارهم فارين بحياتهم وابنائهم الى المجهول.
مخيم عمار بن ياسر واحد من ٧ مخيمات للنازحين في عدن كمخيم ليلى خليل ومخيم حوش عثمان، وبحسب الوحدة التنفيذية لادارة مخيمات النازحين فقد بلغ عدد المخيمات في مدينة عدن وما جاورها 34 مخيما، ومن خلال نزولنا الميداني لعدد من هذه المخيمات فإن معظمها تفتقر لابسط اساسيات المعيشة.
الستيني والد امل يقول ان الاغاثة تقلصت بشكل كبير وتأتي بشكل متقطع ما ضاعف من معاناة النازحين المعتمدين عليها بشكل أساسي لسد رمقهم، وما زاد من معاناته خصوصا إعالته لتسع بنات وطفل صغير ومعاناته من امراض عدة جعلته عاجزا عن إعالة هذه الاسرة الكبيرة.
مخيم "ليلي خليل" حاله لا يختلف كثيرا عن مخيم بن ياسر، الا ان الخيام المنتصبة فيه ما زالت اكثر صلابة ومقاومة للإهتراء والتلف وهذا ينعكس على وضع الاسر النازحة فيها كما ان وسائل النقل والمواصلات ليست ببعيدة عنهم كحال بعض المخيمات الاخرى، اضافة الى قرب المخيم من احد المساجد وساحات توزيع الاغاثة التي تصل من المنظمات الاغاثية والانسانية مايعني انها تصلهم قبل غيرهم.
قد تختلف الاوضاع المعيشية وتوفر اساسيات الحياة بفارق بسيط من مخيم الى اخر، الا ان قساوتها وبؤسها واحد، وفكرة النزوح والتشرد وحدها كفيلة بتوزيع المعاناة والهموم على الجميع، واقصى احلامهم وامنياتهم ان يعودوا لمنازلهم ولحياة الاستقرار التي كانوا يعيشونها.
وعلى الرغم ان العام المنصرم ٢٠٢٣ اكثر السنوات هدوء وانخفاضا في مستوى العنف والصراع الدائر في اليمن منذ ٩ سنوات الا انه وبحسب التقرير السنوي للوحدة التنفيذية لإدارة مخيمات النازحين فقد بلغ عدد النازحين خلاله اكثر من ٧٢٠٠ اسرة.
كهول يبحثون عن حبة دواء واطفال يفتقرون لابجديات القراءة والكتابة ونساء ينشدن ما يسد رمق اطفالهن ذلك هو حال المخيمات والنازحين فيها، شعور بالعجز والبؤس يطغى على الجميع، في الوقت الذي تزداد فيه الاوضاع الاقتصادية تدهورا ويزداد هؤلاء انسحاقا.