المحبشي يستعرض تحولات مناهج كتابة التاريخ حتى عصر الذكاء الاصطناعي...

المحبشي يستعرض تحولات مناهج كتابة التاريخ حتى عصر الذكاء الاصطناعي...

منبر الاخبار / خاص

في مقالة فكرية جديدة حملت عنوان «فيما يشبه التمهيد للملتقى الدولي لمناهج النقد التاريخي»، تناول البروفيسور قاسم المحبشي مسار تطور الفكر التاريخي عبر العصور، مبرزًا كيف تحوّلت مناهج كتابة التاريخ من الأسطورة إلى الخوارزمية في سياق رحلة الإنسان لفهم ذاته وزمنه.

وأوضح المحبشي أن التاريخ، بوصفه معرفة عقلانية للذاكرة ووعيًا بالزمن الإنساني، لم يكن ثابتًا في منهجه، بل تبدّل تبعًا لتطور الإنسان ونظرته إلى العالم. فقد بدأ التاريخ بأسطورية التفسير حين نسب الإنسان الظواهر إلى قوى غيبية، قبل أن ينتقل إلى التدوين الوصفي عند اليونان الذين جعلوا من المشاهدة والعقل أدوات لتسجيل الأحداث.

وأشار إلى أن العصور الوسطى شهدت هيمنة اللاهوت على الكتابة التاريخية، لتصبح سردًا للتجليات الإلهية، فيما أعاد عصر النهضة الإنسان إلى مركز السرد التاريخي، قبل أن يأتي عصر التنوير ليفرض سلطان العقل بوصفه معيارًا لتفسير حركة التاريخ.

وتوقف المحبشي عند التحول الرومنطيقي في القرن الثامن عشر، بوصفه صرخة ضد جفاف العقلانية، مؤكداً أن العاطفة والخيال جزء لا يتجزأ من فهم الإنسان لتاريخه. وفي القرن التاسع عشر، نشأ المنهج الوضعي مع أوغست كونت وليوبولد فون رانكه، مؤسسًا لفكرة أن الحقيقة التاريخية تُستمد من الأرشيف والمصادر الموثقة.

ثم برزت المدرسة التاريخانية التي دعت إلى فهم الماضي في سياقه ونسبية الزمن والمعنى، تلاها ظهور مدرسة النقد التاريخي التي أسسها شارل لانجلوا وشارل سينوبوس، كما نقلها المترجم عبدالرحمن بدوي في كتابه «المدخل إلى الدراسات التاريخية».

وتطرّق المحبشي إلى المادية التاريخية الماركسية التي اعتبرت البنية الاقتصادية محرّك التاريخ وصراع الطبقات مفتاح التحولات الكبرى، قبل أن تأتي البنيوية في القرن العشرين مع ليفي-شتراوس وفوكو ورولان بارت ولاكان لتعيد تعريف التاريخ كبنية لغوية وثقافية.

وأشار كذلك إلى مدرسة الحوليات الفرنسية بقيادة مارك بلوخ ولوسيان فيفر وفرناند بروديل، التي نقلت التاريخ من سرد الملوك والحروب إلى دراسة البنيات الاقتصادية والاجتماعية والذهنيات العميقة، ممهّدة لظهور ما يُعرف بـ«التاريخ الجديد».

وفي ختام مقاله، أكد المحبشي أن الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي فتحت أفقًا جديدًا للتاريخ، إذ لم يعد مجرد سردٍ أو تحليلٍ للوثائق، بل تحوّل إلى شبكة من البيانات الضخمة تُقرأ بالخوارزميات والتعلّم العميق.

وختم بسؤال فلسفي لافت:

«هل نحن أمام ميلاد مدرسة تاريخية جديدة؟ مدرسة التاريخ الخوارزمي، حيث يُصبح ماضي الإنسان قابلًا للحوسبة؟ أم أن الذكاء الاصطناعي سيُحوّل التاريخ إلى محاكاة تحجب معنى التجربة الإنسانية نفسها؟...