200% ارتفاع في أسعار العقارات بمحافظة إب

200% ارتفاع في أسعار العقارات بمحافظة إب

منبر الأخبار

 

بسبب أن أرض اللواء الأخضر في اليمن، أي محافظة إب، من أكثر المحافظات استقبالًا  للنازحين من مختلف المناطق اليمنية، تشهد أسعار الأراضي والعقارات فيها ارتفاعًا جنونيًا، تجاوز حتى العاصمة صنعاء.

ووصلت أسعار بعض البنايات السكنية فيها إلى مليار ريال يمني، أي نحو أربعة ملايين دولارٍ أمريكي، بل إن بعض الملاك لا يقبلون بيع عقاراتهم إلا بالدولار الأمريكي

الاستثمار بالنازحين!

واقع جديد فرضته الحرب على إب، ثالث أكبر المحافظات اليمنية من حيث عدد السكان، والمشتهرة بمدرجاتها وتلالها الخضراء. لكن هذا الواقع بات كابوسًا مقلقًا بالنسبة للكثيرين من أبناء المحافظة والقاطنين فيها من فقراء ومعوزين، وكذلك نازحين طالت فترة بقائهم لأربعة أعوام.

يروي عدد من ساكني محافظة إب معاناتهم جراء أزمة السكن والارتفاع المهول في الأسعار، فيقول محمد ، الذي يسكن شقة مستأجرة في ريف إب: "لم نكن نتوقع أن المنازل والشقق السكنية في محافظتنا سيرتفع ثمن إيجارها بهذا الشكل الجنوني؛ اليوم أدفع ثلاثة أضعاف ما كنت أدفعه قبيل الحرب، مقابل سكني في الشقة التي استأجرتها منذ سبعة أعوام". 

مع ذلك قد يكون وضع محمد أفضل من غيره، فرغم أنه موظف حكومي انقطع عنه راتبه مثل غيره من العاملين في القطاع الحكومي، إلا أن عمله على سيارة أجرة، يكفل له بعض المال المساعد. غيره، خاصة من النازحين، يعيشون المأساة فعلًا: "عندما نرى بعض النازحين الذين تشردو في المخيمات، نحمد الله على وضعنا الحالي، ونتمنى فقط ستر الحال"، يقول محمد.

ويعيش غالبية النازحين الواصلين إلى محافظة إب، في مخيمات إيواء نصبت في مختلف مناطق المحافظة، وتبلغ نحو 23 مخيمًا، أبرزها يتمركز في مناطقجبلة والمشنة والعدين وحبيش، إلى جانب عدد من المخيمات في المنطقة المحاذية لمحافظة تعز. وبالجملة، استقبلت محافظة إب أكثر من مليون نازح، بحسب مسؤول في المجلس المحلي للمحافظة .

وهناك نازحون أوضاعهم المادية أفضل، فيسكنون شققًا ومنازل مستأجرة، وبعضهم استطاع شراء منزل أو أرض ليبني منزله عليها.

وكان "الاستقرار الأمني" الدافع الأبرز لنزوح يمنين من مختلف مناطق البلاد إلى محافظة إب، منهم عبدالجليل القريضي، النازح مع أسرته المكونة من 17 فردًا، من تعز إلى إب منذ 2015.

وقال القريضي إن رجال أعمال من تعز "ساهموا بشكل أو بآخر في ارتفاع أسعار شراء وستئجار الشقق والعقارات في إب"، الأمر الذي تسبب في ضرر بالغ لبقية النازحين.

وأضاف القريضي: "أنا مثلًا مكثت ثلاثة أشهر باحثًا عن منزل مناسب لأسرتي الكبيرة، وبالكاد لقيت منزل شعبي صغير، أدفع له 200 ألف ريال شهريًا (800 دولار) رغم أن المنزل لا يتحق ذلك المبلغ".

تنافس المغتربين

أيضًا مما ساهم في ارتفاع أسعار العقارات والأراضي في المحافظة، استثمار أبناء المحافظة المغتربين خارج البلاد، في سوق العقار، بعد أن دخلو خط التنافس على شراء العقارات ثم بيعها بأسعار مضاعفة.

وقد تحول العقار في المحافظة إلى سوق رابحة لمن يملك الأموال، يضارب فيها رجال أعمال ومغتربون، وحتى سياسيون ومسؤولون حكوميون.

يقول المهندس المعماري محمد الزوقري، من محافظة إب، إن "الاستثمار في قطاع العقارات في إب، ازدهر في الآونة الأخيرة، خاصة خلال العامين الماضيين، بسبب تفضيل المغتربين له عن القطاعات الاقتصادية الأخرى، كونه ضامن أكثر لأموالهم". 

في خضم ذلك، ظهرت لأول مرة الأبراج السكنية في محافظة إب، فعمل أصحاب رؤوس الأموال على تشييد عمارات سكنية تصل لـ15 دور، وفقًا لزوقري.

ويُرجع الزوقري ارتفاع أسعار الأراضي في إب، إلى أسباب متعددة منها: عدم التخطيط المسبق للشوارع من قبل وزارة التخطيط العمراني، وعدم التزام مكتب الأشغال بالمخططات الموجودة، واحتكار التوسع في مناطق محددة في المحافظة. 

لكن من الأسباب أيضًا دخول المسؤولين لسوق العقار، فوفقًا للمهندس المعماري، فإن غالبية المسؤولين الحكوميين يقومون بشراء قطع أرض في مناطق نائية، بأسعار أقل، اعتمادًا على مكانتهم، ويوصلون لها المرافق والخدمات، لترتفع أسعار العقارات التي يبنونها عليها.

يختتم محمد الزوقري حديثه "، بقوله إن "سوق العقارات في إب أصبح تجارة مضمونة الأرباح، وفي فترات بسيطة. وفي حال عدم سن القوانين اللازمة للحد من نسب الأرباح الجنونية، فسيكون المستقبل كارثي بالنسبة للفقراء وأبناء الطبقة المتوسطة".

مافيا الأراضي

بحسب تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، فإن "أسعار الأراضي والعقارات في محافظة إب تصاعدت، لتسجل المحافظة أرقامًا قياسية، حيث تجاوز سعر المتر الواحد 200% في بعض مناطق المدينة، وكذلك الأمر بالنسبة لإيجارات المنازل، خاصة مع تزايد أعداد النازحين إلى المدينة من محافظة تعز التي تشهد حصارًا وحربًا منذ أربعة أعوام، وكذلك من مدينة الحديدة التي تشهد اشتباكات مسلحة منذ العام الماضي".

ولفت التقرير إلى التناقض بين الوضع الاقتصادي العام للبلاد، وبين الازدهار الاستثنائي لقطاع العقارات. وقد قدر حجم تداول قطاع العقارات في اليمن لنحو ملياري دولار أمريكي، وهو رقم ضخم بالمقارنة بتواضع النشاط الاقتصادي في اليمن.

يُوضح التقرير، أن ازدهار قطاع العقارات في البلاد، مرده بشكل كبير إلى عودة آلاف المغتربين من السعودية، على خلفية الإجراءات السعودية الأخيرة ضد العمالة الوافدة عمومًا، واليمنيين خصوصًا.

لكن ثمة عامل آخر مهم، وهو من آثار الحرب المباشرة، هم من أسماهم التقرير "أمراء الحرب" الذي يغسلون أموالهم في سوق العقارات. هذا فضلًا عن النزوح الداخلي.

من جانبه، يرى الناشط الحقوقي مراد البنا، من أبناء محافظة إب، أن ارتفاع أسعار العقارات وأزمة السكن، هي "حرب من نوع أخرى لم ينتبه إليها الكثيرون".

وأوضح البنا: "الحرب المحمومة على الأراضي والعقارات، وخصوصًا في ظل ارتفاع صرف العملة، جذبت المغتربين لزيادة الشراء والمضاربة. لكن هناك أيضًا مافيا للأراضي، يشتغلون في العلن، حتى أنهم شكلوا تحالفات وأسهم عقارية. ومن الملاحظ أن هناك عقارات تم إنشاءها ولم يتم استغلالها، وهي كثيرة".

يشير البناء إلى أن ما أسماها "مافيا العقارات"، تتشكل أساسًا من غسيل الأموال، وأصحاب رؤوس أموال يخافون عليها، فيحفظونها في العقارات.

ومما تقوم به ما أسماها البنا "مافيا العقارات"، أنهه بمجرد إنزال التخطيط العمراني من قبل الهيئة الحكومية، يبدأ هؤلاء في شرائها من المواطنين بأسعار منخفضة، كونها في مناطق بعيدة، وغير مشيدة بعد. 

بعد ذلك، يعمل هؤلاء على تعجيل تشييد المخططات، وإدخال كافة المرافق والخدمات، لتكون مهيئة لرفع أسعارها بشكل جنوني.

ينهي البنا حديثه بقوله إن الانتشار الواسع للعقارات في محافظة إب، "كان يفترض أن يمثل حلًا للمواطنين، لكنه انقلب نقمة عليهم، وضاعف معاناتهم، بسبب الجشع والابتزاز وغسيل الأموال".

كتب: علاء الدين الشلالي