رحلة إلى القعر المظلم للجحيم 

لم يكن الجسد وحده خامداً منهاراً.. الشلل التام شمل الدماغ.. وتعطلت مداركه الحسية، إلا من ومضات صغيرة عجَزَتْ عن تكوين صورة واقعية لما يحدث حولي.. !! 

كنت أدرك فقط أن زوجتي تحاول مساعدتي، لكني لم استشعر جسدها ولا كنت مدركاً إن كانت بجانبي أو خلفي ولا بأي طريقة أمسكت بي.. ورغم ضوء النهار، كان الظلام يغشى كل ما حولى، ولا زلت غير متيقن من أنني استطعت فتح عيني حين أفقت..!!

وما إن استطعت بالكاد الوقوف حتى سقطت مرة أخرى.. لكنها كانت مختلفة هذه المرة ، تتابعت خلالها ثلاثة او أربعة احلام متقطعة وسريعة، كانت أحلاماً مبهجة، شعرت فيها بمسحة من السعادة، وعندما صحوت لم أرغب سوى بمزيد من النوم والراحة.

و لأن الأحلام تؤشر لحالة عقلية نشطة، وأن خلايا الدماغ لا تزال تعمل.. ربما كان هناك جزء من الدماغ يومض من أنني في حالة نوم فقط، وسأصحو مجدداً.. بخلاف الغيبوبة الأولى حيث توقفت تماما كافة المدركات الحسية والعقلية.. وحتى الآن اظن أنه لولا سماعي صوت زوجتي - الذي بدا كما لو كان قادماً من بعيد أو من عالم آخر - يحثني على النهوض والاستيقاظ.. لولاه لما صحوت أبداً من غيبوبتي الفجائية والخاطفة.

حدث كل شيء بسرعة ذات نهار أواخر رمضان الماضي .. فما أن شعرت بدوخة، حاولت الجلوس كي لا أقع وأجرح جزءا من جسدي.. لم اكمل الجلوس، ولا أدرى ما حدث بعدها سوى غير سماع ذلك الصوت يحثني على الاستيقاظ.. وعندها ادركت أني مستلقي على ظهري.. 

لللحظات حاولت عبثاً الاستيقاظ والنهوض، وعندما لم أستطع كنت أتألم وأخشى أن أخذلها..

أنتهت التجربة كظرفية زمانية، إلا أن تداعياتها ظلت تلازمني أياماً، وألقت ظلالا كئيبة فيما لو تكررت بنهاية مغايرة..

وحقاً، لا أريد لها التكرار، وإن حدث.. أُفضّل أن تمر بهدوء وتنقطع معها أي صلة بالعالم.. فكم هو مؤلم وموجع أن تسمع نداءً ، تعجز عن تلبيته.؟!!

لم تكن مجرد تجربة، كانت رحلة قاسية إلى القعر المظلم للجحيم.