نحو حل عادل ومستدام، حكومتان لشعبين وشراكة استراتيجية لإسقاط الانقلاب
تمر اليمن بمرحلة مفصلية ومعقدة في تاريخها الحديث، تفرض على الجميع التفكير بعمق في طبيعة الحلول الممكنة لإنهاء الصراع القائم وتحقيق السلام والاستقرار. وفي ظل الأزمات الخانقة التي يعاني منها المواطنون في الجنوب، من تردي الخدمات، وانهيار العملة، وارتفاع الأسعار، وحرمان الموظفين من حقوقهم، يبرز حديث سياسي جريء وواقعي طرحه الدكتور عبدالناصر الوالي، عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي، قد يمثل إحدى الفرص القليلة المتبقية لتفادي انهيار شامل.
في حديثه الأخير، أشار الدكتور الوالي إلى أن جوهر المشكلة يتمثل في الصراع المحموم على الشراكة في إدارة الجنوب، وتوظيف معاناة المواطنين كوسيلة ضغط سياسي، وسط حالة من الاستقطاب والإقصاء، وغياب إرادة موحدة لإدارة شؤون الجنوب بفعالية. كما لفت إلى أن الشراكة مع بعض القوى السياسية الشمالية، التي تشكّلت في إطار مواجهة المشروع الحوثي، انحرفت عن مسارها وتحولت إلى صراع على الموارد والنفوذ في الجنوب، بل إن بعض تلك القوى أعادت بوصلتها إلى التنسيق مع الحوثيين، ووجّهت سلاحها وإعلامها نحو الشركاء الجنوبيين.
انطلاقاً من هذا الواقع، تقدم الدكتور الوالي بمقترح حل سياسي يقوم على أساس تشكيل حكومتين مستقلتين:
1. حكومة جنوبية خالصة تدير المناطق الجنوبية وتكون عدن عاصمتها، تتولى إدارة شؤون المواطنين بما يعكس تطلعاتهم وحقهم في تقرير مصيرهم بعيداً عن الإملاءات أو التبعية.
2. حكومة شمالية تتولى إدارة المناطق الشمالية، ويكون مركزها مارب أو تعز، تعمل من موقعها المستقل على مواجهة المشروع الحوثي دون فرض وصايتها على الجنوب أو التدخل في شؤونه.
ولا تقف الرؤية عند حدود الفصل الإداري، بل تدعو إلى تحالف استراتيجي بين الحكومتين، يقوم على التنسيق العسكري والسياسي والدبلوماسي لإسقاط المشروع الحوثي الانقلابي، سواء بالوسائل السلمية أو العمل العسكري، وبدعم إقليمي ودولي صادق.
يشدد الدكتور الوالي على أن هذا الحل "ممكن ومتاح، ومقبول وعادل" في اللحظة الراهنة، لكنه لا يضمن أن تظل هذه المعادلة قائمة غداً، إذ إن تجاهل هذه الرؤية قد يفاقم الانقسامات، ويعمّق الصراع، ويفقد الجنوب زمام المبادرة في صياغة مستقبله السياسي.
إن مقترح الحكومتين، كما يطرحه الدكتور عبدالناصر الوالي، لا يعني التفكك أو الانفصال بمعناه التقليدي، بل هو محاولة عقلانية لترسيخ الاستقرار من خلال الاعتراف بالواقع، واحترام إرادة كل طرف، وبناء شراكة ندية حقيقية قائمة على المصالح المشتركة. وقد يكون هذا الطرح بداية لمسار جديد، ينقل اليمن من دوامة الصراع إلى أفق الدولة والكرامة والسيادة المشتركة، بعيداً عن منطق الهيمنة والوصاية، وقريباً من منطق العدالة والتوازن والاستقرار.
هذا المقال يستند إلى رؤية سياسية قدّمها الدكتور عبدالناصر الوالي في حديثه بتاريخ 10 مايو 2025م.