تاريخنا للعرض فقط !!!..
عادت قطعة أثرية يمنية إلى البلاد من بريطانيا قبل يومين. قطعة صغيرة لكنها بحجم وطن، عمرها يعود إلى ألف سنة قبل الميلاد، نجت من الغزاة والأنواء، وظلّت تتنفس تحت الرماد حتى أفاقت على يد سفير شريف قرر أن يكون سفيرا لليمن، لا سفيرا للكرسي الفارغ والمرتب المصفف...
ولكن، ما بال بقية السفراء؟ ما بال من يجلس في تركيا أو قطر؟..
هل هناك قانونٌ دبلوماسي يمنعهم من أن تكون لهم كرامة؟..
هل يظنون أن القطع الأثرية اليمنية ذهبت في نزهة خارج البلاد وستعود من تلقاء نفسها، كأنها في إجازة عائلية، تأخذ صورا وتنشرها على إنستغرام؟..
في متاحف إسطنبول والدوحة ترقد تماثيل سبئية، نقوش قتبانية، وأوانٍ حميرية، تتلو علينا من وراء الزجاج مراثي وطن مبيع، تُقرأ بلغة لا يسمعها إلا من بقيت في قلبه ذرة حياء.
هناك، في تلك القاعات الباردة، فيما تنساب الأضواء الصفراء على وجوه الآلهة اليمنية المنسية، يُعرض مجدنا للبيع تحت مسمى "التراث العالمي".
نعم، لقد أصبحنا تراثا عالميا لأننا فقدنا السيادة المحلية!..
وإذ نسأل: لماذا لا يتحرك سفراؤنا؟..
تأتي الإجابة:
السفير مشغول بوليمة،
السفير مشغول بنقل تحيات الرئيس إلى ظله،
السفير يجهّز خطابا عن أهمية التسامح بينما تُسرق أعمدة معبد أوام...
وهكذا كأنك تطلب من تمثال أن يصرخ، من جثة أن تُغنّي...
لكن أليس من المخجل أن تكون قطر أشد حرصا على عرض آثارنا من وزارة الثقافة اليمنية نفسها؟
أليس من المُعيب أن تتزين متاحف إسطنبول بكنوز ظلت قرونا في مأرب وتعز وشبام، بينما يبيع بعض من يسمون أنفسهم رجال دولة حجارة تاريخنا مقابل ليلتين في فندق خمس نجوم؟..
ويا سادة، ما يجري ليس مجرد إهمال…
إنه جريمة مدروسة:
التفريط المتعمد في الرموز التاريخية
التقاعس الوقح،
والصمت الذي هو في حقيقته خيانة...
على إن التاريخ لا يُصنع فقط بالبنادق، بل يُصنع أيضا بالمواقف..
ومن وقف اليوم لإعادة قطعة واحدة من بريطانيا، وقف في صف التاريخ،
ومن جلس في تركيا وقطر يتأمل في "المجاملات الدبلوماسية"، جلس في صف النسيان...
نعم، نريد سفراء يحفظون اسم اليمن في مجالسهم كما يحفظون أسماء أبنائهم،
نريد رجالا لا يخجلون من أن يطرقوا أبواب المتاحف، لا ليشتروا التذاكر، بل ليستعيدوا التاريخ...
فلتُرفع القبعات لسفير اليمن في لندن.
ولترتفع الحواجب استغرابا من بقية السفراء الذين لم يحركوا ساكنا.
وإن كانوا بحاجة إلى تذكير،
فليرسل لهم الشعب صور القطعة العائدة مرفقة برسالة قصيرة:
"تاريخنا ليس تذكارا، أعيدوه... أو استقيلوا!"..