"حكومة الـ ZOOM اليمنية"....

في زمن التكنولوجيا والتواصل عن بُعد، تفوقت “الشرعية اليمنية” على كل خيال، وأثبتت للعالم أن الحكم يمكن أن يتم من الفنادق الفاخرة، والمقاهي الراقية، وقاعات الاجتماعات الافتراضية عبر تطبيق ZOOM، بينما الشعب يئن تحت رحمة الميليشيات والحصار والجوع. لقد ابتكرت الشرعية اليمنية مفهوماً جديدًا للحكم: “الدولة الافتراضية” ! حكومة بأعضاء حقيقيين، وجوازات حقيقية، ورواتب دولارية حقيقية، لكن بلا وجود فعلي على الأرض، ولا خطة، ولا كرامة. يعيش مسؤولوها في منافي خمس نجوم، يحكمون من خلف شاشات، ويقلبون بين أجندات السفر وقوائم الطعام، بينما يكتفي المواطن اليمني بتقليب النفايات والبحث عن بقايا الخبز اليابس، إن وُجد. لا يخفى على أحد أن الشعب اليمني يعيش أقسى مراحل تاريخه: حرب، حصار، تهميش، مجاعة، انهيار اقتصادي، وقبضة حديدية من ميليشيا لا ترحم. لكن ما يؤلم أكثر من كل هذا، هو أن الشرعية التي يفترض أنها “الملاذ”، اختارت أن تكون مجرد ظل باهت على جدران غرف الاجتماعات، تختفي عند أول انقطاع إنترنت. في الداخل، الحوثي يختطف ويقمع ويجبي الأموال ويجند الأطفال، وفي الخارج، الشرعية تُقيم الندوات، وتُجدد الفنادق، وتُحدث تشكيلاتها الوزارية كما تُحدث تطبيقات الهاتف: تحديث بلا فائدة، تغيير دون مضمون. الشعب الذي خرج مطالبًا بالدولة، وجد نفسه اليوم عالقًا بين ميليشيا تحكمه بالحديد والنار، وشرعية تحكمه عبر كاميرا ويب وصوت مهتز من تطبيق ZOOM. حكومة الـ ZOOM لا ترى الحوثي خصمًا بقدر ما تراه شريكًا في تقاسم الكعكة. فبينما يتفنن الحوثي في القمع والقهر والجباية، تتفنن الشرعية في الإهمال والتخلي واللا مبالاة. إنها علاقة تكاملية: الأول يبتز الداخل، والثاني يبتز الخارج. الأول يخنق الشعب بقوة السلاح، والثاني يخنقه بقوة الغياب والتخلي. في النهاية، كلاهما يكمل الآخر في لعبة تدمير وطن، وقتل حلم اسمه اليمن. ولسوء الحظ إن هذه الحكومة أصبحت هي الوجه الآخر للحوثي. الحوثي يعصر الداخل، والشرعية تحلب الخارج. كلاهما يتغذى من دم المواطن، وكلاهما يتحدث باسمه دون إذن أو توكيل. أبناء الوزراء والمسؤولين يتنقلون بين أرقى جامعات العالم، بينما أبناء الوطن يتنقلون بين الجبهات والمقابر. الحكومة تتحدث عن “استعادة الدولة”، لكنها لم تستعد حتى خجلها، ولا تجرأت أن تعود إلى مأرب أو عدن أو حتى شبوة، إلا بموكب مدجج لا يخدم إلا صور الإنستجرام. فهل نحن أمام حكومة ؟ أم أمام مجموعة دردشة جماعية تضم وزراء في المنفى، كل منهم ينتظر أن يحين دوره في الصورة، أو يُذكر اسمه في بيان ؟ لقد أصبحت الشرعية اليمنية أشبه بمسرحية هزلية، نصها ركيك، وممثلوها سيئون، والجمهور – أي الشعب – يُجبر على التصفيق وهو يتضور جوعًا. “الحكومة الشرعية” اليوم لا تختلف كثيرًا عن بثٍ مباشر ضعيف الجودة، يتقطع عند كل لحظة حقيقية. حكومة لا تملك زمام المعركة، ولا قرار المواجهة، ولا حتى جرأة العودة إلى الأرض. إنها حكومة نسيت الشعب وتذكرت فقط “الشرعية كامتياز”، لا كمسؤولية. ختامًا، نهمس في أذن هذه الحكومة: إذا كان الوطن مجرد رابط ZOOM بالنسبة لكم، فاعذرونا، لقد انقطع الاتصال… بسبب انقطاع الكهرباء، وانقطاع الأمل...