حين يصبح الفقد ألماً لا يهدأ
بعد ستة عشر عاماً عشناها معاً، بحلوها ومرها، بفرحها وألمها، بتقلباتها التي لم ترحم، يأتي رمضان هذا العام ناقصاً... موحشاً... لأول مرة دونكِ.
أي فرحة تلك التي تأتي وأنتِ لستِ هنا؟ كيف يبتسم القلب وهو يفتقدك في كل زاوية، في كل لحظة؟
أبعدني القدر عنكِ في فترة من الزمن غصب عني، لكن يشهد الله أن قلبي لم يبتعد، أن وسادتي كانت ترتوي بدموعي كل ليلة وأنا أذكركِ.
كنتُ أتلفتُ في شوارع مدينتنا علّني أراكِ، علّني أسترق النظر إليكِ ولو من بعيد.
أحببتكِ بكل جوارحي، وأعلم أنكِ كنتِ تحبيني، كنتِ تفضّليني على الجميع، لكنكِ رحلتِ... ورحيلكِ لم يترك في قلبي إلا فراغاً لا يمتلئ.
حدثتُ طفلي عنكِ، رغم أنه صغير لا يعي، لكني أريده أن يكبر وهو يعرفكِ، يعرف أن "شيخة" لم تكن مجرد خالة، بل كانت الروح الطيبة، القلب الحنون، الضحكة التي لا تُنسى.
ما زلتُ أحتفظ بذلك الفيديو... فيديو تحديد جنس الجنين، أتذكر كيف ضحكنا يومها؟ كيف ظننتِ أنه عصفور؟ لحظات مضحكة لكنها موجعة الآن... موجعة حد الاختناق، حد الألم الذي يجعلني أطلق تنهيدة عميقة، وكأنها تأخذ شيئاً من روحي معها في كل مرة.
رحيلكِ لم يكن عادياً، لم يكن سهلاً عليّ، أقاوم دموعي أمام الجميع، أبدو قوية، لكنني حين أختلي بنفسي، أول من يخطر في بالي هو أنتِ... هل تذكرين لقاءنا الأخير؟ ربما كان مشهدا عاديا للآخرين، لكنه كان قصة وداع لم أكن أعلم بها.
خانتني دموعي عندما احتضنتكِ، قبّلتُ يديكِ وكأنني أشكر القدر على لقائكِ قبل الرحيل، كنتِ سعيدة برؤيتي، لكني شعرتُ أن فرحتكِ كانت مكسورة... طلبتِ مني أن نلعب معًا في الحديقة، أن نصعد الألعاب، لكني خفتُ عليكِ، كنتِ مريضة، وكنتُ أحمل طفلي في أحشائي، فرفضت أن اصعد معك السيارات ... كيف لي أن أرفض طلبكِ الأخير؟ كيف لم أفهم حينها معنى نظرتكِ، حين قلتِ لي: "لا تخليني"؟ هل كنتِ تشعرين أن هذا هو وداعنا الأخير؟
كم لُمتُ نفسي، كم تمنيتُ أن يعود الزمن للحظة واحدة، لأشتري لكِ لعبة البندق التي طلبتها مني... كان هذا آخر طلب لكِ، ولم ألبِّهِ.
حتى عندما صعدتِ الباص، خانتني دموعي، ورأيتُ في عينيكِ حزنا لم أره من قبل، كأنكِ تودعينني دون أن تقوليها.
يقال إن الميت يشعر بمن يزوره، لكن كيف لجسد بارد وروح رحلت أن تشعر بي؟ لو كان ذلك صحيحا، لكنتُ بنيتُ بيتا عند ضريحكِ، لأبقى قريبة منكِ، لأهمس لكِ كم أفتقدكِ، كم أحبكِ، كم أحتاجكِ.
رحمكِ الله يا شيخة، وأسكنكِ فسيح جناته، وجبر هذا القلب الذي لم يشفَ من فقدانكِ.