انتحار حسب الطلب!

في واقعة جديدة تؤكد أن بعض السجون اليمنية لم تعد مجرد أماكن احتجاز، بل صارت وجهات مغرية للانتحار السريع، تلقّت أسرة المواطن ماجد مبارك الجهمي اتصالًا رسميًا مفاده أن ابنهم، الذي دخل أحد سجون الرحمة في محافظة مأرب بكامل وعيه صباحًا، قرر فجأة أن يودّع الحياة قبل أن يحلّ وقت الغداء.

وكعادة الجهات المختصة، لم يُكلّف البيان الرسمي نفسه عناء التفاصيل، فجاء مختصرًا مفيدًا: "انتحر في السجن"، وكأن الأمر يتعلق بموضة موسمية انتشرت بين المساجين! لا حاجة لتحقيقات، ولا ضرورة لأي تفسير، فكل شيء محسوم مسبقًا، كما لو أن الضحية دخل السجن وهو يحمل معه خطة رحيله النهائي.

السؤال الذي يطرح نفسه: كيف يجد المعتقلون الوقت الكافي لترتيب عمليات انتحارهم بهذه السرعة القياسية؟ هل توفر إدارات السجون دورات تدريبية حول "أساليب إنهاء الحياة في زنزانة مغلقة"؟ أم أن هناك التباسًا بسيطًا بين فعل الانتحار وما قد يتعرض له المعتقل أثناء فترة الضيافة القسرية؟

بالطبع، لا مجال للشك في مصداقية الرواية الرسمية، فهي كما نعلم جميعًا "دقيقة، شفافة، وقابلة للتكرار عند الحاجة". وإذا قيل إن المسجون قرر إنهاء حياته في ظروف غامضة، فليس لنا إلا التصديق، حتى لو كانت الأدلة تقول عكس ذلك.

وفي الختام، لا بد من الإشارة إلى الخطوة القادمة: تشكيل لجنة تحقيق، وهي اللجنة التي ستخرج علينا قريبًا ببيان شديد اللهجة، يؤكد أن كل شيء "تم وفق الإجراءات القانونية"، وأن أي شكوك في القصة الرسمية هي مجرد "إشاعات مغرضة".

وبذلك، تطوى الصفحة كما طُويت من قبلها آلاف الصفحات، ويبقى السؤال معلقًا: لماذا لا يحدث هذا النوع من "الانتحارات المفاجئة" إلا في أماكن مغلقة، وبعيدًا عن أعين الناس؟

خير اللهم اجعله خير