لست قرشيا .. بغداد قبل السقوط وبعده ومأزق الطائفية...
بروفيسور / قاسم المحبشي...
( الجزء الاول )
(وحدها الذكريات السارة والمؤلمة تبقى عالقة بالذاكرة) ..
عشرون عاما بالتمام والكمال مرت منذ ناقشة أطروحتي الموسومة ( فلسفة التاريخ في الفكر الغربي المعاصر؛ أرنولد توينبي موضوعا) بإشراف الأستاذ مدني صالح رحمة الله تغشاه في مثواه اليكم الحكاية ..
شهر سبتمبر هو شهري المفضل، ففيه ولدت وفيه قررت العودة إلى بغداد بعد الاجتياح وفيه ناقشة أطروحتي في الدكتوراه بجامعة بغداد فضلا عن رمزيته الوطنية الثورية التي أحبها 26 سبتمبر 1962م. وعدتكم البارحة في ذكرياتي البغدادية إن احكي لكم أيام النار والرماد في أجمل وأفخم واحداث شوارع بغداد الكرخ، شارع حيفاء القريب من المتنبي والرشيد حيث امضيت أيامي الأخيرة قبل مناقشة الأطروحة..
في رحلتنا الأخيرة من دمشق إلى بغداد وصلنا بعد رحلة سفر مضنية في حافلة نقل البراق وشاهدنا اثار الدمار الذي خلفته حرب عاصفة الصحراء منذ منفذ الوليد الفاصل بين سوريا والعراق مرورا بالأنبار والرمادي وابو غريب وحتى شارع السعدون في وسط البلد الذي وجدناه موحشة مظلما( كانت بغداد ترتدي السواد وكانّها في حالة حزن طويل( سواد الليلة ، وسواد العمارات والعربيات والمعدات والاشياء الكثيرة المتناثرة المحترقة بسبب الحرب) احسست بحالة من الحزن المقهورة واختنقت العبرة في حنجرتي وذرفت دمعتين لم يلحظهن الفرحين بالوضع الجديد...
كان الوقت منتصف الليلة في بغداد والكهرباء طافية في شوارع المدينة، تحسينا أمتعتنا على ضوء الترشليت و سكنت في فندق متواضع في السعدون وفي صباح اليوم التالي ذهبت أبحث عن زملائي في عمارة الكهف. كان الزميل الدكتور حسن الرهوي والزميل الدكتور عباد السلامي قد سبقاني اليها. عمارة كبيرة، وقف الكنسية المعمدانية. شروط السكن فيها ميسرة ولا خوف من الصراعات الطائفية. كان يحرس رجل مصري محترم أسمه رمضان على درجة عالية من الثقافة والرقي. اشتريت اثاث شقة الزميلة فاكهة جعفر التي فضلت البقاء في دمشق وتركت شقتها مع الدكتور حسن الرهوي أبو محمد، مصدر ثقة الجميع. في الطابق السابع اشتريتها مبلغ 40000 الف دينار عراقي إذ لم تخني الذاكرة.هناك في الكهف كتبت اطروحتي على ضوء الفانوس واصوات الصواريخ التي كانت تستهدف المنطقة الخضراء على الضفة الاخرى من نهر دجلة. بعد ستة أشهر من السكن في عمارة الكهف على شارع ابو نواس بالسعدون مقبل المدينة الخضراء الخطرة . كنا مجموعة من الزملاء منهم( المرحوم حسين أحمد يسلم عبدالسيد أبو عزيز؛ اكبرا سنا وأكثرنا ثقافة..
كان رحمة الله عليه يحضر أطروحته في الرياضيات والفيزياء الدقيقة ولكنه واسع الاطلاع في الأدب والثقافة، ومحمود علي عاطف والمرحوم عباد السلامي وفضل الربيعي وحسن الرهوي وخالد حبيب وأحمد العبد حمود وسعيد سالم الحوشبي وسعيد إسماعيل وناصر الكثيري وعبدالله المعلم وعمر عبيد الله يرحمه وناجي عبدالوهاب وغيرهم لم تسعفني الذاكرة باسمائهم. كنا نسابق الزمن ونصل الليل بالنهار في كتابة اطاريحنا ومناقشتها باقصى سرعة ممكنة إذ كان التهديد والمخاطر تحيط بنا من كل الجهات لاسيما بعد سقوط الدولة وانهيار المؤسسات. بعد أن سافر معظم الزملاء في اختصاصات الزراعة والعلوم الطبيعية انتقلت مع الدكتور فضل الربيعي والدكتور عبدالله المعلم إلى شارع حيفأ إذ بات السكن في عمارة الكهف شديد الخطور لا سيما بعد إن تعرض زميلنا عبدالله المعلم للنشل. كان شارع حيفان هو أحدث وأفخم شارع آمن في بغداد الكرخ وفي العمارات الهولندية ذات الطوابق ١٥ أمضينا الأشهر الأخيرة من رحلتنا البحثية في ظروف أمنية بالغة التهديد والخطر. إذ كنا نجد صعوبة في الوصول إلى الكلية لمقابلة المشرف في باب المعظم. وفي شارع حيفاء شهدت من أهوال زمن بريمر ما يشيب له رأس الجنين . في شهر مايو 2003م تركنا عمارة الكهف إلى شارع حيفا آمن مكان بالنسبة لنا نحن المحسوبين على الطائفة السنية ميكانيكيا طبعا..
على مدى خمسة أشهر مكثناها في شارع حيفا شفنا أهوال الحرب وسقوط النظام العام . وحدهم الأمريكان بقيادة بريمر القاسي هم المحميين في العراق تلك الأيام أما سكان العراق العظيم الذين يبلغ عددهم أكثر من ثلاثين مليون فقد تركوا مكشوفي الصدر والظهر بلا حماية والا شبكات سلام أجتماعي. لم يكن يمر علينا يوما دون إن ترى قتيل هنا وقتيل هنا، وجثة هنا وجثة هنا في طريقنا إلى الكلية وفي تلك اللحظة الشديدة الدموية عرفت مغزى عبارة ابن تيمية ( سلطان جائر سبعين سنة خيرٌ من مدينة سائبة ليلة واحدة) ما اصدقها من عبارة لا يفهم معناها إلا من شهد بذاته سقوط الدولة وانهيار مؤسساتها العامة. تلك التجربة القاسية بالنسبة لي فتحت دهني على أهمية الدولة وسلطتها العامة التي يستحيل تعويضها حينما تسقط في الفوضى والعنف وفقدان شبكات الأماني المدني إذ إن الأمن ليس مجرد حق أساسي من حقوق الإنسان ,بل هو أولاً وقبل كل شيء حاجة حيوية لجميع الكائنات الحية عامة و الإنسان على نحو أكثر إلحاحاً، إذ يستحيل الحياة بدونه. ويرى عدد من الدارسين والعلماء أن التاريخ الإنساني وقواه: الحضارة، المدنية، الثقافة هو ثمرة بحث الإنسان الدائم عن الأمن والاستقرار والعافية. ويرتبط موضوع الأمن بشبكة واسعة من العلاقات والعناصر المادية والرمزية , الطبيعية والثقافية، البيولوجية والسيكولوجية...
وقد وضع عالم النفس الأمريكي الشهير "ابرهام ماسلو" (1908 – 1970، صاحب نظرية "الحاجات الأساسية الخمس" المعروفة "بهرم ماسلو ") الحاجة للأمن في المرتبة الثانية بعد الحاجات الفيزيولوجية , باسم حاجات السلامة safety needs التي تتضمن الأمن والحماية والاستقرار والبناء, والقانون والنظام والتحرر من الخوف والفوضى ,وهذه الحاجات مشتقة من استجابات الأطفال السلبية للأحداث الفجائية وغير المتنبئ بها...
أظهرت الدراسات أن الأطفال والراشدين الذين يتعرضون لخبرة التهديد وفقدان الأمن يكونون مدفوعين بمثير قوى ومهيمن, يفقدون فيه القدرة على التفكير السليم في مواجهة المشكلات والتحديات المختلفة , فالخوف يشل القدرة على الاستجابة العقلانية.وهذا ما المح إليه عالم النفس التربوي الأمريكي آرثركمومز في كتابة "خرافات في التربية" إذ يرى (أن، التهديد يعيق مسار السلوك الإنساني السوي. فحينما يشعر الناس بالتهديد يعجزون عن معالجة المشكلات بكفاءة وتضيق مدركاتهم نحو الشيء المهدد فالخوف والفزع والهلع والرعب والذعر وكل حالات فقدان الأمن تدفع الناس إلى اتخاذ مواقف وردود أفعال خطرة على حياتهم و مجتمعاتهم. نعم لقد عشت بنفسي تلك التجربة الشديدة القلق والاضطراب والتوتر وكانت أعصابنا وردود أفعالنا في تلك الأيام العصيبة في أوج التوتر القابل للاستفزاز والانفجار. وليس هناك ما هو أخطر من سقوط السلطات العامة في مجتمع معلول بالأمراض الدكتاتورية الطائفية..
حقا إن السياسة تؤثر في حياة الناس بأشد مما تؤثر فيهم تقلبات الظروف الطبيعية ( الاحوال المناخية التي منها: الرياح والحر والبرد والخصب والجدب والعواصف والفيضانات والإعصار والزلازل والبراكين والأوبئة حسب بول فاليري. وما حدث في العراق وفي غيرها من البلدان العربية يعد أسوأ بما لايقاس مما يمكن أن تفعله أشد الكوارث الطبيعية فتكا . فما أخطر السياسية وما أفدح شرورها إذ تركت على حل شعرها؟! ربما كان الفرق بين الكوارث الطبيعية والشرور السياسية والاجتماعية يكمن في أن الطبيعية لا تفرق بين الكائنات الحية وغير الحية التي تفتك بها بينما الشرور الاجتماعية والسياسية تستهدف ضحاياها بمبررات ايديولوجية عبثية لم ينزل الله بها من سلطان. الطبيعية تعيد الإنسان إلى حالته البيولوجية الأولى بوصفه كائنا أرضيا بين الكائنات الأخرى التي تقع على درجة متساوية من الظلم والضرر لأنها ببساطة بلا قلب أو عيون بينما السياسة والايديولوجيا تختار ضحاياها بقسوة لا مثيل لها...
لقد شاهدت بأم عيني شباب بغداد وهو يحملون السكاكين للدفاع عن انفسهم أو للتخلص من خصومهم إذ انتشرت تلك الأيام ظاهرة الثارات والتصفيات باسم الشرف والعار والعمالة والخيانة والطائفية إلى حد ما ولكنها زادت أقصد ظاهرة العنف المقدس بعد خروجنا من بغداد بما جعل أيامنا اكثر أمنا وأمانا. ليس هناك ما هو اخطر ولا افظع من ( العنف المقدس ) اقصد العنف الذي يمارس تحت رايات أيديولوجية . العدوان متأصل في الطبيعة البشرية ولا مهرب من ذلك ، لكن يظل العنف معقول وممكن في حدود الطبيعة الإنسانية منذ ان قام قابيل بقتل اخوه هابيل ..
وهذا هو معنى ((من يفسد في الارض ويسفك الدماء)) كما جاء في التنزيل الكريم .والعنف في هذه الحالة يكتسب صيغة بشرية بوصفه عنفا بين الاخوة الاعداء، بين بشر متخاصمين ، بين ذوات إنسانية ، بين المتشابهين في النوع والجنس والصفات لكن الخطر يكمن حينما يتحول العنف البشري الطبيعي إلى عنف مقدس بين اخيار وأشرار، بين ملائكة وشياطين ! كما هو حال حروب الطوائف المشتعلة اليوم في كل مكان من بلادنا العربية في العراق وسوريا واليمن وغيرها، هنا يخرج العنف عن حدود معقوليته البشرية وطبيعته الإنسانية ليتحول إلى حالة ما قبل مقبل طبيعية وما بعد الانسانية حيث ينشب المحاربين مخالبهم بعضهم ببعض كسراطين البحر حتى الموتّ!..
ومن هنا يمكن لنا فهم حجم القسوة المهول الذي يتميز به هذا النمط من انماط العنف المقدس, انه لا يكتفي فقط بهزيمة الخصوم , لأنهم غير موجودين هنا , بل هو سعي محموم لتخليص العالم من( شر مستطير ) هو الشيطان الرجيم عدو( الله سبحانه وتعالى برحمته عما يصفون ) , ومن يعتقد انه من انصار الله او حزب الله فهو يسوس هوية الآخرين الأغيار بعدهم شياطين ! ومن يتمكن من الامساك بالشيطان , ماذا تريده أن يفعل به ؟! مع الشياطين كل شيء مباح ولا حرمات يمكنها ايقاف الغل المخزون من الاندياح ! وهذا هو ما يفسر الجرائم المروعة التي يرتكبها الطائفيون جثما حلو وعبثوا وما أي طائفة كانوا بلا تمييز إذ إن المسألة تكمن في عدوى العنف وانتشاره مثل النار بالهشيم ..
ان العنف المقدس المتبادل بين طائفتين كل منها تعتقد انها ملاك والاخر شيطان , يشبه اللهب الذي يلتهم كل شيء يلقي عليها بغرض اطفاءه . انه غل مركب من الثأر الجاهلي والتعصب الطائفي والوحشية الحيوانية. إذ شهدت بنفسي تجربة انزياحات الهوية واستراتيجياتها الصراعية المدمّرة في اليمن والعراق، فعلى مدى نصف قرن فقط غيّر الناس هوياتهم في اليمن شمالا وجنوبا مرات عدة، وها نحن اليوم نشهد جدلا صاخبا وصراعا متّقدا بشأن الهوية اليمنية، وهوية الجنوب: أهي جغرافية أم سياسية؟ فضلا عن احتدام أوار الهويات الطائفية، الزيدية والشافعية والحوثية والسلفية وغير ذلك من خطابات الهويات التقليدية الفرعية الكثيرة وهي خطابات أخذت تستقطب جموع واسعة ومتزايدة من الناس في الجنوب والشمال وذلك بعد مرور أكثر من نصف قرن على قيام (الجمهورية الثورية) في الشمال وإحراز الاستقلال الوطني من الاستعمار البريطاني في الجنوب. ليس لأن الناس يرغبون في ذلك بل بسبب الممارسات السياسية التي دفعتهم إليه..
وقد أذهلني ما شهدته في بغداد من تبدّل سريع وعنيف في صراع الهويات الطائفية قبل الاجتياح الأميركي وبعده، ففي عام 2004 وجدت العراق بصورة مختلفة كليا عن تلك التي عرفتها في الثلاث السنوات السابقة، وكانت حمى الطائفية هي أبرز ملامح العهد الجديد، على الرغم من أنها مازالت حينذاك في طور التفقيس البريمري (نسبة إلى الأميركي بريمر) الذي حكم العراق بعد احتلالها. تجربة بغداد وذكرياتها واسعة وكثيرة يمكنني اختتام حلقة اليوم بذكرى عالقة إذ إن المرء لا يتذكر إلا اكثر المواقف سارة أو مؤلمة ومن تلك الحكاية التالية :
كان يوم السبت الموافق 20 سبتمبر 2003م ظهرا حينما عدت من كلية الآداب بباب المعظم، وصلت الى ساحة الطلائع في شارع حيفاء، بالكرخ، تمام الساعة الواحدة والنصف، بدت لي الساحة مقفرة، خالية من السيارات والمارة، على غير العادة. أحسست بحالة من القلق والتوجس بأمر ما وشيك الحدوث! لم أجد نزار العاني في بقالته، ذهبت وطرقت باب منزله فتح لي وصرخ في وجهي مستغربا؛ ايش بيك معود تجي هسا.. مو شايف الشارع خالي من الحركة، الأمريكان جايين بعد قليل. قلته له ارجوك أن محتاج مصاري ضروري عندي مناقشة بعد غدا الثلاثاء. صمت لبرهة واسرع يجري تجاه الدكان في زاوية ساحة الطلائع على الشارع مباشرة. انطلقت بعده فرحاً. فتح الكشك بلمح البصر واخرج لي الأمانة ثلاثمائة دولار فقط، كل راسمالي حينذاك. مدها لي بسرعة وقال لي:: اختفي بسرعة .. الكلاب وصلوا! واختفي ولم ارأه بعد ذلك ابدا. التفتت الى خلفي وشاهدت أربع مدرعات جند وأربع دبابات إمريكية عملاقة فإذا باصوات الرصاص والقناصات تنهمر عليها من كل مكان من العمارات الهولندية المحيطة .لا ادري كيف وجدت نفسي ادلف بوابة أحد العمارات، حيث كان بعض السوريين البعثيين يسكنون، دخلت ووجدت رجل سوري في الستين من عمره. قلت له اريد احتمي من نيران المعركة.كان رده قاسياً ولن أنساه ما حييت!..
قال لي بوجه نحاسي ممنوع الدخول هنا.خرجت مسرعا وذهبت الى العمارة المجاورة، دخلتها ولم أجد احد هناك. كانت أصوات القذائف تقترب من مكان مخبئي نزلت البردوم وإذا بشظية تأتيني من كوة صغيرة في جداره. طلعت منه محاولا البحث عن أحد يؤنسني، صعدت درجات العمارة حتى الدور الثالث وافترشت ارضية أحد الدرجات. فإذا بشلال من الماء يتدفق علي من الطوابق العليا، حيث إصابت القذائف خزانات الماء في سطح العمارة. بعد نصف ساعة سمعت صوت امرأة صاعدة من الطابق الأول، سيدة في الخامسة والعشرين من عمرها تحمل طفلة صغيرة هي ابنتها. كانت تصرخ وتبكي من شدة الخوف والفزع
حينما رأتني، كفت عن الصراخ..
جلست بالقرب مني وتعارفنا ؛ اسمها كريمة واسم طفلتها أمل هي زوجة حارس العمارة الذي خرج قبل مجيء القوة الأمريكية لزيارة أحد أقاربه.. استبشرت خيرا من اسمها وأسم طفلتها أمل وكان كل ما يشغل بالي هو كيف انجو من الموت بعيدا عن أهلي لاسيما وقد شاهدت الكثير من القتلى مجهولي الهوية ملقي بهم في شوارع بغداد وربما اكلت جثثهم الكلاب! عرفتها بنفسي، طالب دكتوراه في جامعة بغداد كلية الآداب باب المعظم من اليمن.. وحينما سمعت أسم اليمن صرخة مولولة باللهجة العراقية : ياويلي ياويلي ومن اليمن يا معود! شنو اللي جابك بهذه الوكت! الأمريكان يبحثون على الأجانب هنا في شارع حيفاء، لو علموا بوجودك انتهيت! أفزعني كلامها ولكني لم اظهر لها مدى فزعي. قلت لها؛ هم يبحثون عن الصغار بالسن الشباب الخطرين.. الذين يقولون عنهم إرهابيين وقد سبق وأنا داهموا شقتنه في ليلة حصار الكرخ وتمشيطها قبل أيام واعتذروا لنا حينما لم يجدوا فينا ما يبحثون عنه..
حاولت اهدي من روعها وأتمنى من الله أن تعدي هذي الأزمة بسلام، بعد ثلاث ساعات بدأت تهدى المعركة وتنفست الصعداء فإذا بكريمة تسمع صوت زوجها يناديها من أسفل... فرحت وقالت: باللكنة العراقية هاهي خلصت المعركة .. راجالي جاء .. أكيد انسحبت القوات. نزلت معها وصافحته وشكرته وأخذت رقم هاتفه وتوادعنا على أن نتواصل.. كنت ساكنا على بعد نصف كم٢ في وسط الشارع حيفاء العمارات الهولندية ذات الخمسة عشر طابقا. أخذت سيارة كيه واتفقت معه بان يأخذني الى الوزيرية شقة زميلي الدكتور عادل عوض الطاهر من السودان الشقيقة. الوزيرية وضعها الأمني أفضل من شارعنا الذي لم تهدى فيه المعارك طول مدة مكوثنا فيه .كان موعد مناقشتي بعد يومين، وكان الدرس الذي تعلمته من ساحة الطلائع شديد الأثر في نفسي، إذ بتحفيز منه وعلى عجل من أمري حزمت ما استطعت من أمتعتي وركبت السيارة الى الوزيرية، وكان افضل قرار اتخذته إذ تم إغلاق الشارع بعد أن تحركت سيارتنا مباشرة. والحكاية بقية. وليس هناك ما هو أخطر من سقوط الدول وموسساتها العامة في مجتمع معلول بالأمراض الطائفية المزمنة...
( يتبع الجزء الثاني )..