مصنع أسمنت البرح في تعز.. سنوات من الدمار والنهب الممنهج..
![مصنع أسمنت البرح في تعز.. سنوات من الدمار والنهب الممنهج..](https://news-platform.net/uploads/images/202502/image_870x_67a398e6aeaff.jpg)
منبر الاخبار / تقرير : حسين الشدادي ..
في محافظة تعز، تحديداً في مناطق سيطرة المليشيات الحو,,ثية يتربع مصنع أسمنت البرح ك شاهدٍ على تحولات الحرب من مركز إشعاع اقتصادي إلى مثال صارخ لاستهداف البنى التحتية..
أصبح المصنع، الذي كان يُنتج ما يصل إلى نصف مليون طن سنوياً من الأسمنت عالي الجودة، ساحة لعمليات نهب ممنهج تمارسها مليشيا الحو,,ثي، وفقاً لتقارير محلية ودولية، ما أثار مخاوف من تصفيته كلياً، وحرمان المنطقة من أحد أهم مصادر التنمية.
مصنع البرح.. إرث يمني ياباني يواجه تحديات الحرب..
أنشئ مصنع أسمنت البرح في 8 فبراير 1993، بشراكة يمنية يابانية، حيث تولت شركة IHI اليابانية تشييده خلال 34 شهراً.
تميز المصنع بإنتاج الأسمنت البورتلاندي العادي وفق المواصفات الدولية، ثم طور إنتاجه عام 1998 ليشمل الأسمنت المقاوم للأملاح، ما جعله ركيزةً أساسية في مشاريع البنية التحتية والسدود.
وبحلول عام 2010، بلغت طاقته الإنتاجية 500 ألف طن سنوياً، مساهماً بـ 25% من إجمالي إنتاج اليمن من الأسمنت.
إستراتيجية الموقع
يقع المصنع على بعد 50 كم غرب مدينة تعز، على طريق الحديدة، مما منحه ميزة الوصول إلى الأسواق اليمنية والساحلية، لكن هذا الموقع جعله أيضاً هدفاً عسكرياً بعد اندلاع الحرب، حيث سيطرت مليشيا الحو,,ثي على المناطق المحيطة به، بينما بقي المصنع تحت إدارة المؤسسة العامة لصناعة الأسمنت التابعة للحكومة المعترف بها دولياً.
بداية الحرب.. القصف وبداية التوقف
مع تصاعد العمليات العسكرية في 2015، تعرض المصنع لقصف جوي من قبل التحالف العربي، مما أدى إلى تدمير أجزاء من خطوط الإنتاج والمستودعات، وفقاً لشهادات عمال، تسبب القصف في توقف كامل عن العمل، ما فتح الباب لعمليات نهب مبكرة شملت المعدات الإلكترونية والمركبات.
وفي أغسطس 2017، أقدمت مليشيا الحو,,ثي على تفكيك ونهب الطوب الحراري المستخدم في الأفران، وقطع غيار المعدات الثقيلة، ما عرقل أي محاولة لإعادة التشغيل.
تصريحات مسؤولين محليين
وصف علي المعمري، محافظ تعز السابق، عمليات النهب بأنها "تخريب ممنهج يعكس حقد المليشيا على تعز"، مشيراً إلى أن المصنع أصبح ضحية لسياسة "تجويع المناطق المعارضة" عبر حرمانها من الموارد.
النهب الممنهج.. من التفكيك إلى تحويل المسار
نقلت معدات التفجير والتكسير إلى مصنعي عمران وباجل و نهبت أجهزة المختبر ومراقبة الجودة، التي تُعَدّ ضرورية لضمان مواصفات الأسمنت.
في مارس 2023 استهدف المصنع بالصواريخ، مما ألحق أضراراً بالغة بمنطقة التخزين.
وفي أغسطس 2023 تم تفكيك أجزاء من الأفران ونقلها إلى مصانع أخرى، بحجة "إعادة الاستخدام"، وفقاً لمصادر عمالية.
آلية النهب وفق الوثائق الأممية
كشف تقرير فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن في 2023 أن قيادات الحو,,ثي استخدمت موارد مصنع عمران (الذي أعيد تشغيله جزئياً) للحصول على قروض بمليارات الريالات باسم الشركة، بينما تم تحويل عائدات مبيعات الأسمنت إلى حسابات شخصية.
كما وثق التقرير إقالة 30 موظفاً من مصنع عمران واستبدالهم بعناصر موالية، ما يشير إلى نموذج مشابه قد يُطبَّق على البرح حال إعادة تشغيله.
الفساد المالي.. بين التقارير الدولية والمعاناة الإنسانية
أكد عمال المصنع لـ"صدى الواقع اليمني" أنهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ 2016، رغم استمرار صرفها في مصانع عمران وباجل.
وقال محمد عبدالله، أحد الكيميائيين في المختبر: "نعيش على المساعدات العائلية، بينما تُباع إنتاجات المصانع الأخرى بأسعار خيالية، وتُحوَّل الأموال إلى قيادات الحو,,ثي".
القروض الوهمية وإفلاس المصنع
وفقاً للتقرير الأممي، حصلت مليشيا الحو,,ثي على 40 مليار ريال يمني ك قروض باسم مصنع عمران، بفوائد وصلت إلى 15%، ما أدى إلى تراكم الديون وإفلاسه.
ويُخشى أن يتكرر السيناريو مع البرح حال إعادة فتحه، خاصة مع إشارات إلى نية المليشيا استخدام أسم المصنع كـ"ضمان" للقروض.
تداعيات التدمير.. من الاقتصاد إلى المجتمع
أدى توقف البرح إلى اعتماد تعز على أسمنت مستورد من مناطق خاضعة للحو,,ثيين، تُباع بأسعار تفوق الضعف، كما تسبب نقص المواد في تعطيل مشاريع إعادة الإعمار، سيما في المناطق المدمرة بالقتال.
البطالة وتأثيرها الاجتماعي
فقد أكثر من 500 عامل مصدر رزقهم، ما دفعهم إلى الهجرة أو الانخراط في الأعمال اليومية غير المستقرة، تقول أمينة محمد، زوجة أحد العمال: "بعنا أثاث المنزل لشراء الطعام.. لا أمل لدينا إلا بالله".
الصمت الدولي.. بين الالتزامات القانونية والواقع
يخضع اليمن للبند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يُلزم الدول بضمان حماية المدنيين، لكن العمال يشيرون إلى أن المنظمات الدولية لم تُقدم سوى "بيانات استنكار"، دون ضغط حقيقي على الحو,,ثيين.
نداءات العاملين
طالب العمال في عريضة موقعة من 200 موظف بتدخل عاجل لوقف النهب، وصرف الرواتب المتأخرة، ومحاسبة المسؤولين عن الفساد، كما دعوا إلى إدراج قيادات الحو,,ثي المتورطين في "قوائم العقوبات".
مصنع البرح.. أي مستقبل ينتظره؟
يقف اليوم مصنع البرح ك رمز لمأساة اليمن ببنية تحتية منهوبة، واقتصاد مُدمر، ومجتمع يعاني تحت وطأة الصراع،في الأثناء تستمر الفاشية الحو,,ثية في تحويل موارد البلاد إلى أدوات لتمويل حربها، تبقى الأسئلة مشروعة هل سيتمكن المجتمع الدولي من إنقاذ ما تبقى من القطاع الصناعي أم أن مصير البرح سيكون شاهداً إضافياً على عجز العالم أمام استراتيجية "الأرض المحروقة"؟..
.......
هذا التقرير الاستقصائي أعد بناءً على مقابلات مع عمال المصنع، ووثائق أممية، وتقارير محلية ودولية...