سقطرى ومبدار تشابه في النبات والطيور 2
منبر الأخبار
بقلم الدكتور عوض أحمد العلقمي
لم تستطع المسافات الشاسعة بين جغرافية أرخبيل سقطرى وبين الجغرافية الأم ، ومايفصل بينهما من مياه البحار والمحيطات ، فضلا عن العزلة التي فرضتها أنظمة البلاد المعاصرة القاصرة ، أن يطمسوا شيئا من معالم الأصالة أو يمسحوا - ولو مؤشرا واحدا - من مؤشرات الهوية الدالة على قوة انتماء الفرع لأصله ، أو العكس ... نعود لموضوع سردية الليلة ، والعود - كما يقولون - أحمد ، من الأشجار الرئيسة في سقطرى ، شجرة متراري - بكسر الميم وسكون التاء وفتح الراء - التي تغطي مساحة كبيرة من الجزيرة ، وبخاصة في مديرية قلنسية ، والعجيب في الأمر أنها موزعة توزيعا منتظما ، وكأن مرشدين زراعيين قاموا بغرسها ، هي تشبه شجرة الديمن من حيث السوق والأوراق ، لكن شجرة الديمن كبيرة ، أما المتراري فلايزيد ارتفاعها على المترين ولاينقص عن المتر ، وسمك ساقها الرئيس ربما لايزيد عن الثلاثة سنتيمترات ، وأظن أنها تستخدم مرعى للأنعام في مواسم هطول الأمطار ، وحطبا لمطابخ الطعام في سني القحط ، الجدير بالذكر أن شجرة متراري ليس لها وجود في جبل مبدار على حد علمي ، لكن في الجبل توجد شجرة ضخمة ، اسمها مدحة - بضم الميم وفتح الدال وتضعيف الحاء وفتحه - هذه المدحة نستطيع أن نسميها دوحة لضخامتها وعظمها ، تجدها مبتسمة طول العام ، مخضرة الأوراق ، في حالة من الزهو والنمو الدائم ، يعافها الحيوان ؛ أكان إبلا أم غنما ، ولايأكل شيئا من أوراقها ، نستفيد منها فقط الظل الظليل ؛ إذ استطاعت واحدة منها - ونحن هاربون من بطش النظام الشمولي في سبعينيات القرن المنصرم - استيعابنا لأكثر من ثلاثة أشهر ، كانت تظلنا من هجير الشمس ، وتحمينا من بلل قطر السماء ، ونحن عائلة مكونة من ثلاث أسر ، لايقل عددنا عن ثلاثين شخصا ، كذلك أفدنا منها نحن الأطفال مادة العلك التي نقوم بمضغها لساعات طوال ؛ نقوم بهقب - بوخز - سوقها بأحجار صغيرة ، فتسيل منها كريات بيضاء تشبه دموع الثكالى ، من حيث الحجم والسيلان ، يُجفف تلك الكريات الهواء قبل أن تغادر الساق نحو التراب ، عند ذلك نقوم بخلعها من على الساق ثم مضغها ، هذه الشجرة تعمدت البحث عنها في الجزيرة ولكن دون جدوى ، إلا إذا كانت في مكان محصور لما أصل إليه أنا ، كذلك من الأشجار المنتشرة بكثرة ملفتة في الجزيرة شجرة العدن - بفتح العين والدال - ومفردها عدنة ، وهي في الجزيرة بدينة جدا ، وكأنها مصابة بالسمنة أو بداء الفيل (أجارنا الله وإياكم منهما) ويبدو أن ذلك الانتفاخ ، وتلك الراحة يعودان لما تتمتع به من رخاء واستقرار وراحة بال في الجزيرة ، يسمونها ثيرمو ، هذا إذا لم تخني الذاكرة ، وشجرة العدن هذه أيضا توجد بكثرة في جبل مبدار ، لكنها مقارنة بتلك ضعيفة هزيلة وكأنها تعاني من أمراض مزمنة ، وفي الجزيرة أيضا شجرة الصبر التي تمد المواطن ببعض الدخل ، إذ ينتجون منها الصبر السائل والصبر المجفف ، وجدتها في منطقة نوجد جنوب الجزيرة ، لكنها في وضع لايسر ، إذ بدت شاحبة الوجه ، دقيقة الأطراف ، ظاهرة العظام ، الأمر الذي جعلني أتساءل عن الأسباب ؛ هل ماهي عليه بفعل القحط الذي بلغ بضع سنوات في نوجد ؟ أم لجور الساكنين إذ تدر عليهم بعض الدخل ؟ شجرة الصبر أيضا توجد في جبل مبدار ، لكنها في وضع أفضل بكثير مما هي عليه في سقطرى ، ربما لأن ساكني جبل مبدار لايقومون بقطعها ، وجمع قطراتها الدوائية للبيع والتصدير ، إلا ماكان من الإفادة الذاتية منها فقط ، أو ماكان من هجوم الرباح - القرود - عليها وأكلها بشراهة في أيام معدودة من العام ، إذ تعد شجرة الصبر الوجبة الأشهى للرباح ، ولكن في أيام معدودة من العام …
انتظروني أحبتي القراء في سردية أخرى