(جُمْهُوريّةُ الخَضِرِ)، أثرُ الأسطورةِ في سلوك الناس وأخلاقهم من أبينَ إلى الشامِ.(3)
منبر الأخبار
أبينُ فِيْها حقائقُ التاريخِ تتجسدُ كالأحلامِ تَفِدُ علينا أسطورةُ الخضرِ مِنْ زمنٍ مسحورٍ كانَ الإنسانُ خارقًا قادرًا على صنعِ التاريخِ والمصير، ...تشارك الناس خبزَهُمْ، حُلْمَهُمْ و خيرَهُمْ... (يكربِجُوا البحرَ كِرباج).
تستعرُ أُسطورةُ (الخضرِ) في اللاشعورِ الجمعيّ؛ وتنهضُ موجهةً سلوكياتِ (أهل أبين) نحو نسق من العلاقات الاجتماعية المتينة، الخصبة وجدانيًا. (أهلُ أبينَ أرقُّ وألْيَنُ)
منذ (جمهورية دُثينةَ) وجيلِ الرفاقِ؛ بل هي أقدمُ بكثيرٍ من ثورةِ (علي بن الفضل الخنفري ) وأرسخ في محاربة (الظلم الشديد) الشر والطغيان، طلباً للعدالة الاجتماعية والخير والمساواة ... (هُنَا جمهوريةُ الخضرِ)!
وإن خَفَتَت الأسطورة توهُّجا، للوعي المتصاعد لدى جيل الرفاق " سالمين ومقبل وعلي ناصر محمد " وأدوارهم في نشر المعرفة وكفاحهم، إلى بروز التيار السلفي المحارب - في يومنا- للأساطير والهادم لأضرحة الأولياء المسفُّهين لحكاياتهم وكراماتهم !
تظلُ أسطورةُ (الخضر) متغلغلةً في اللاوعي عِندَ الرفاق التقدُّميين (من حيث لا يشعرون) بل حتى عند السلفيين من أبناء أبينَ بشقّيْهم الجهادي والدعوي وهذا ما سنُبيّنَهُ لاحقاً.
النسقُ الجامعُ لأسطورةِ الخضرِ الضارب في حكاياته الأبْيَنيّة على نوعين : الأول ( رجلٌ غريبٌ بثوبِ فقيرٍ يطلبُ المساعدةَ ) ... والثاني ( رجل غريب يقدّم المساعدة )... وفي كلا النوعين ( يختفي الرجل/ الخضر فجأةً)!
سنركز على تحليل النسق الأول ونترك الثاني على أنّ النوعين لهما أصل واحد هو (الخير) ولا يخفى ذلك التناسب الصوتي بين اللفظتين (الخير) و(الخضر) بل الخير والخضر لفظتان مترادفتان عند الناس في أبْيَن.
من أمثلة النوع الأول المتكررة: رجل بملابس باليَة يطرقُ الباب مُستطعماً أهل الدار فلا يُطعمونه في الأغلب أو يطلب مالاً فلا يعطونه، أو يأتي إلى الحقل في موسم الحصاد فيصدونه عن رزقهم)
تنتهي الحكايات عادةً بشعور الناس بالندم على عملهم والخسران المُبين لأنّ (الخضِر) فاتهم، وهو هنا رمز (الخير) و (البركة)! وهم لا يريدون ذهابه عنهم ولا بركاته.
أما كيف عَلِموا أنّه الخضرُ؟ فهذا ما لا تُفصِح عنه الحكايات غالباً بوضوح!.. وإن ظهرت علامة (الأظافر المنزوعة) ففي النادر متذكرينها بعد فوات الأوان واختفاء الرجل/ الغريب، لكن هذا الاختفاء العجيب علامة مضمونة في كل الحكايات ترشِّحه أن يكون الخضر عينُه.
تختلف الحكايات وتتواتر إلّا من ذلك النسقِ الذي يتضمنها وينظمها لتنمِّي ذلك الشعور المكافح للبخل والشُّح ويتحول الندم (إلى نوع من التربية، عاطفة، كرم، إيثار، ونجدة لكلّ محتاجٍ طالب حاجة أو مستغيث حتى قيل في المَثَل عن أهل أبْيَنَ أنهم ( أرقُّ وألْيَنُ) ولا يردُّون سائلا!؛ ونرى أنفسنا مع هذا المثل في تناصٍّ مع حديث الرسول الكريم "أَتاكُمْ أهْلُ اليَمَنِ، هُمْ أرَقُّ أفْئِدَةً وأَلْيَنُ قُلُوبًا، الإيمانُ يَمانٍ والحِكْمَةُ يَمانِيَةٌ..."
كما يشرحُ الرواةُ والمفسِّرون؛ ذلك لانْقيادِهم إلى الإيمانِ مِن غَيرِ تَكلُّفٍ، فقدْ كانوا دائمًا أهلَ مَدَدٍ للمُسلِمينَ في جَميعِ الحُروبِ والفُتوحاتِ، منذُ حُروبِ الرِّدَّةِ؛ فحارَبوا معَ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه، وجاؤوا أمْدادًا في عَهدِ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أيضًا.
وفي السّرديات الإسلامية أنّ أهلُ اليمَنِ أهلُ خَيرٍ وبَرَكةٍ، ولا يَزالُ الإيمانُ "مُنيرًا في قلوبِ طائفةٍ منهم إلى قِيامِ الساعة، وإذا كانت هذه صفة عامة في أهل اليمن رِقَّة القلوب والِّلين فهذا يعني أنّ أهل أبْيَنَ هم: خلاصة الخلاصة (صفوةُ الصفوة) أو الطائفة التي عناها رسولُ صلى الله عليه وسلم حين قال : "يَخرُجُ من عَدَنِ أبْيَنَ اثْنا عَشَرَ ألفًا، يَنصُرونَ اللهَ ورَسولَه هُم (خَيرُ) مَن بَيْني وبينَهم"؛ فهُم أفضَلُ الناسِ منذ عهدِ النبوَّةِ إلى حينِ خُروجِهم لنُصرةِ اللهِ ورسولِه.
وبِغَضِّ النظر عن صحة الأحاديث ومدى تحقُّقها فإنّ (الخير) الذي في أهل أبْيَنَ لابُـدَّ أن يكون مشهوراً ومعروفاً عند العرب منذ عصور غابرة إلى يومنا هذا، وتلك العاطفة الجيّاشة جعلتهم سريعي التأثُّر والاستجابة( عاطفيين) وهذا سبب كونهم أكثر الناس تأثُّراً بالمعارك في اليمن وقودا لها.
فهم قد نشأوا على تقديم المساعدة لمن يطلبها والنجدة في أيّ حال من الأحوال غير مبالين أحيانا بالنتائج، فكل واحد فيهم يتمثل (الخضر) سلوكاً وخُلُقاً في النَّوْعيْن وهذا ترجمة لحضور الاسم (الخضر) وذُيوعه في أبْيـَنَ وتلك الروح الرحيمة الطيبة والترابط الاجتماعي والخير العميم في أهل أبين وأخلاقهم (نصرةً ونجدةً وكرماً وإغاثةً...)
(ملحق) يتداول الناس أخباراً لا أوكدها "أن الخضر كان يسعى في رمضان هذا بين خُور مَكْسَر والشيخ عثمان متنكِّراً بِأوصاف مختلفة ومقامات عجيبة ولا يقول أنه من أبْيَن.
مجيب الرحمن الوصابي